التجربة الحزبية في السودان لا تزال متأخرة برقم قِدمها و برغم ان البعض يراها متقدمة نسبياً عند قياسها و مقارنتها بالتجربة الحزبية في دول الاقليم الذي ننتمي له!
تأخر و تخلف تلك التجربة يمثل نقطة ضعف للتجربة الديمقراطية الوطنية لذا يجب علينا ان نسعي لتقويتها حتي نضمن حياة سياسية مدنية مستقرة و نؤمن نهج تداول سلس و سلمي للسلطة نكسر بها ثنائية "حكم حزب-طائفي و انقلاب عسكري" التي ظللنا اسري لها منذ الاستقلال.
ان تجربة قانون الاحزاب و "مسجل الاحزاب السياسية" التي فرضها النظام البائد تؤكد أهمية هذا الاتجاه..
تلك التجربة لم يكن الغرض منها تطوير التجربة السياسية و تطوير الاحزاب بل كان الغرض هو تقييد الاحزاب و شل الحياة السياسية.. فالسياسة لا تتطور بنص قانوني و الاحزاب لا تعمل بتشريع انما بممارسة سياسية تستلهم كل الخبرات و تجرب كل الارث الديمقراطي المحلي أو المكتسب و يتفاوت الكسب فيها بين حزب و الآخر.
لا يمكن القبول بأن تمارس الدولة وصاية من اي نوع (بقانون أو قرار موظف اداري) علي الاحزاب و التي يفترض فيها انها مؤهلة لقيادة قمة جهاز الدولة السياسي-التنفيذي، مثلما لا يمكن القبول ان تتجاوز الاحزاب دورها و تؤثر في اجهزة الخدمة المستقلة فتسيسها أو تستغلها خدمةً لغرض حزبي.. هنا تكمن المعادلة التي ان تعاملنا معها بدقة ان نقود العملية السياسية بسلاسة تجنب بلادنا حالات الاختناق و الاحتقان السياسي و من ثم الانقلابات و الازمات.
احد ابرز ملامح ضعف التجربة الحزبية هو ضعف و احيانا انعدام التفرغ الحزبي لكادر الصف القيادي في احزابنا السياسية.. نحن لا نزال نعتبر النشاط الحزبي عمل طوعي و نتعامل مع نتائجه بقاعدة "يثاب فاعله و لا يعاقب تاركه"، ان الوظيفة الحزبية لا تقل خطراً عن مناصب الدولة العليا و لذا يجب ان يتقيد شاغلوا الوظيفة القيادية الحزبية بضوابط صارمة وطنياً و عند التعامل الخارجي دبلوماسياً أو بأي شكل.
هذه القيود أو الضوابط يجب ان تضعها الاحزاب من تلقاء ذاتها و تحاسب بها قواعدها قيادتها دون انتظار لتدخل اجهزة الحكومة أو الدولة بقانون و بوصاية موظف "المسجل".
قليل جدا من الاحزاب عرف نمط التفرغ السياسي؛ و حتي التي عرفته طبقته بشكل ناقص و خاطئ! لأنها تظن ان التفرغ الحزبي يؤمن لها كادر مستعد للعمل طوال الوقت و مهم للكادر لأنه يوفر له مقابل مالي لمجهوده الحزبي.. بينما التفرغ مهم للحياة السياسية و الحزبية لأنه يمنع (أو هكذا يفترض فيه) تضارب المصالح، فالكادر الحزبي غير المتفرغ و الذي يشغل منصب تنفيذي حزبي و منصب آخر سواءاً كان في جهاز الدولة (مع ملاحظة ان قوانين الخدمة المدنية ينبغي ان تحصنها من الاستغلال الحزبيين لها) أو في القطاع الخاص يمكن ان يستغل مركزه الحزبي لتسهيل عمله و تحقيق مكسب شخصي مثلما يمكن ان يستغل مركزه الحكومي أو الخاص لتحقيق انجاز له أو لحزبه.. لذا و لضمان عدم تضارب المصالح و عدم استغلال النفوذ فان الجهاز الحزبي يجب ان يضع من القواعد (التفرغ الحزبي) ما يضمن حياد و نزاهة شاغلي الوظائف القيادية و التنفيذية في الحزب.
ممارسة بعض الانشطة و المهن بواسطة القادة الحزبيين هي اعلي في احتمالية استغلال النفوذ الحزبي و السياسي و الانزلاق في فساد كالمحاماة مثلاً، بينما بعضها لا تقترب منها الشبهات كالطب.. و هذا ما علي الاحزاب التعامل معه حين وضع قواعدها للتفرغ الحزبي و منع تضارب المصالح.
أغسطس ٢٠١٩م
تعليقات
إرسال تعليق