ثار جدل كثيف حول الاسلوب الذي تدير به الشركة السودانية للموارد المعدنية لملف المسؤولية الاجتماعية، و مؤخراً ثار جدل بخصوص طريقة و غرض جمع مساهمات من شركات التعدين "قطاع خاص" و ذلك بشيكات علي الحساب الشخصي و لغرض احتفال تنصيب حاكم دارفور!
بلا شك ان هذه الممارسات تمثل مدخل و ثغرة لفساد و نتوقع ان يتقدم من تورطوا في هذه الممارسات باستقالاتهم او ان تقوم الحكومة باقالتهم..
لكن هذه مناسبة و سانحة لفتح ملف الشركات الحكومية و علي رأسها امبراطورية تعدين الذهب هذه "الشركة السودانية للموارد المعدنية"، هذه الشركة الحكومية هي جهة تنظيمية و تمارس نشاط اقتصادي في نفس الوقت و تلك بدعة من بدع النظام الساقط و التي يجب الوقوف عندها و اجراء التصحيح الضروري لها، ان الاجهزة الحكومية لها مهمة وحيدة هي تنظيم الانشطة و التعاملات و تقديم التسهيلات الضرورية للمواطنين و للجهات الاعتبارية التي تقوم بانشطة اقتصادية انتاجية او خدمية.. بينما الشركات الحكومية فمهمتها هي العمل في القطاعات الانتاجية او الخدمية التي تعتبرها الدولة بحسب سياستها انها انشطة استراتيجية لا يجب تركها للقطاع الخاص المحلي او الاجنبي؛ او انها انشطة مكلفة لا يقدر عليها القطاع الخاص (لكونه غير منظم بما فيه الكفاية و لا يملك قدرة رأسمالية مناسبة في هذه المرحلة) .. و كان من اللافت ان النظام الساقط الذي تبني سياسة الخصخصة تجاه العديد من الهيئات و الشركات الحكومية بحجة ان النشاط الاقتصادي للدولة نشاط خاسر! و تمت تصفية العديد من المؤسسات و الهيئات التنظيمية نفسها، علي رأس الاجهزة التي تمت تصفيتها النقل المكنيكي و النقل النهري و المخازن العمومية "المخزن و المهمات" ..
لكن ذلك النظام عاد و أسس شركات حكومية تعمل في "السوق الله اكبر" و تنافس القطاع الخاص في مجالات لأن صناع القرار رأوا انها نشاطات مضمونة الربح! من تلك المجالات البترول و الذهب!
اكتنف الغموض عقود البترول مع الشركاء في التنقيب و الانتاج الصينيين و الماليزيين و غيرهم قبل انفصال الجنوب و لا تزال تلك السرية قائمة حتي بعد ذهاب الجنوب و نفطه!!
كذلك الذهب من ايام عقد ارياب الفرنسية التي استنفدت تلال البحر الاحمر الي وريثتها المغربية!
عادت الحكومة فأسست شركات منها شركة الموارد المعدنية لتقوم بدور تنظيمي و تجاري في ذات الوقت اذ تعد شريك لكل المستثمرين الكبار في مجال الذهب و غيره نيابة عن الحكومة !!
وفق أي مبدأ او قاعدة يمكن ان تكون نفس الجهة مرجع و منظم و حاكم للتنافس و متنافس في نفس الوقت! هذا خلل واضح من الاخطاء التي يلزم تصحيحها، كذلك و طالما ان الدولة اتجهت الي الخروج من سوق المنافسة الاقتصادية و اكتفت بالتنظيم فان من المنطق ان يكون خروجها كاملاً، لا أن تخرج من القطاعات ذات المخاطر و تزاحم المواطنين و المستثمرين في القطاعات عالية الربحية!
علاوة علي كل ذلك ان منسوبي جهاز الدولة يتساوون في الامتيازات و العوائد لا يكون بعضهم يتمتع بامتيازات خاصة اعلي بكثير من غيرها! فكل موظفي و عمال الدولة و جهاز الحكومة يخضعون لقوانين و لوائح خدمة واحدة .. و طالما ان خزينة الدولة واحدة فان توزيع الفوائد ينبغي ان يكون علي قدم المساواة لا ان يكون بعض موظفيها كموظفي دولة اجنبية و بعضهم يعيشون دون الكفاف!
لذا حتي في الحالات التي تقرر فيها الدولة ان تعمل فيها بوسيلة الشركة الحكومية فان موظفي تلك الشركة ينبغي ان يخضعوا لذا قواعد العمل التي تنطبق علي نظرائهم موظفي الوحدات المماثلة دون تمييز .. ذلك حتي لا تكون اجهزة الدول جزر معزولة عن بعضها!
هذه الشركة التي تشتري مقرات بملايين الدولارات و تمنح فوائد و مرتبات و حوافز مليارية انما تفعل ذلك من مال المواطن و مال دافع الضرائب و مال الصحة و التعليم .. و هذه الممارسات وان اجازتها مجالس ادارتها "يمثل فيها وزير المالية و الوزير المختص و محافظ البنك المركزي.. الخ" و اضحت شريكة في هذه التجاوزات و في ظل ضعف دور المراجع العام و اجهزة حماية المال العام الاخري فانها تتم كذلك في وقت يتم فيه تغييب الشعب عبر تغييب ممثليه "البرلمان".
علي السلطة الانتقالية ان تكون علي قدر مسؤولية رعاية المال العام او ان تتنحي لمن هو اجدر بذلك.
اغسطس ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق