التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عجلة التاريخ تعود القهقري!

 عادت طالبان لكابول.. فهل يعود البعث لبغداد؟ 


اغسطس 2021 م

تقدم طالبان يعيد الي الاذهان اجتياح تنظيم الدولة "داعش" لمدن عدة في شرق سوريا و غرب العراق حتي الموصل عام ٢٠١٤م.. هو نفس السيناريو و لابد ان بعض الاصابع التي لعبت خلف داعش تلعب ايضا خلف طالبان "ايران - روسيا .. لا شئ يستبعد".. 

لكن هذا ليس تبرير كافي، ثمة اخطاء عدة ارتكبها الاميركان و حلفاءهم الافغان قادت الي هذا المشهد؛

و فيما شهدت دول عديدة تراجع تيار الاسلام السياسي هل تمنح طالبان هذا التيار روح جديدة و دفعة جديدة بعودتها "الظافرة" للسلطة في كابول؟

فها هي طالبان تنجح في العودة الي ما قبل الحادي عشر من سبتمبر، بالنسبة اليها فإن البرجين تهدما و ما عدا ذلك فلا شئ!

بالنسبة لطالبان فان الزمان قد استدار كهيئته يوم الحادي عشر من سبتمبر ٢٠١١م! و علي الرغم من أن الولايات المتحدة حاولت ان تستبصر و تستبق الاحداث و تتطلع الي المستقبل و تتوقع ما سيقع و استنتجت ان العاصمة كابول ستقط بعد ستة أشهر او ثلاثة اشهر في يد طالبان، و مع ذلك تفاجأت بالسقوط في اقل من ستة ايام، بل ان كابول لم يستغرق اقتحامها و اجتياحها ثلاثة ساعات!

الانسحاب الاميركي اياً كانت كيفيته و ملابساته و ظروفه؛ فانه يعكس حقيقة فشل المشروع الاميركي في افغانستان، و الفشل هو محصلة اخطاء استراتيجية و تكتيكية كارثية اقدم عليها الاميركيون من وكالة المخابرات الي البنتاغون مرورا بوزارة الخارجية و مستشار الأمن القومي حتي المكتب البيضاوي..

 احد اكبر تلك الاخطاء ان اميركا تعاملت بعقلية الغازي و ارادت ان تهندس الدولة الافغانية "الحديثة" وفق هواها؛ فاستبعدت دول جوار افغانستان و تجاهلت مساهمات مفكري المنطقة الاسلامية!

كما ان الطريقة التي تخلص بها الاميركان من وجود اسامة بن لادن ثم من رفاته بعد ذلك ضرب المشروع في مقتل.. حتي لتبدو الطريقة التي اجتاحت بها طالبان المدن الافغانية انتقاما و اقتصاصا لحليفهم التاريخي.

العسكريون يقولون ان الانسحاب هو بذاته عملية عسكرية لها اهداف و نجاح الانسحاب يقاس بتحقيق الاهداف في الوقت المحدد، و الاميركان فشلوا في استراتيجية انسحابهم من افغانستان لأنهم اعتمدوا علي النظام الذي اقاموه في افغانستان و القوات الحكومية التي تأتمر بأمره و كان من الواضح ان النظام الذي اقاموه لا يتمتع بتماسك كافي.. كما ان اتفاق الانسحاب الذي ابرم في الدوحة لم يكن نظام حلفاء اميركا في كابول طرف فيه بل كان اتفاق بين اميركا و طالبان و الطرف الاكثر تأثيرا في مباحثات الدوحة لم يكن هو الطرف الاميركي و لا القطري بل روسيا التي كانت تمارس تأثيرها من علي البعد!

اليوم تكمل اميركا انسحابها و اجلاء بعثتها و رعاياها و حلفاءها تحت بصر مقاتلي طالبان و في حماها !!

 و لو انهم وضعوا خطة انسحاب استناداً علي معطياتهم هم لما وقع الانسحاب بهذا الشكل المخزي !! و لولا بقاء القوات التركية العاملة ضمن وجود قوات حلف الناتو في مطار كابول لكان الوضع اسوأ بكثير، و رغم ان الافتراض القديم "قبل الاجتياح الطالباني" كان ان تتولي قوات تركيا مسؤولية تأمين المطار بعد انسحاب كامل القوات الاميركية - ما يعني ان تركيا عادت لتعمل شرطي "بالوكالة عن اميركا" في المنطقة - لكن لا احد يعلم ما مصير تلك القوات بعد انهيار الجيش الافغاني الحكومي!!

فشل اميركا في افغانستان ليس الأول فقد فشلت من قبل في فيتنام و في ايران (ايران-الشاه) و غيرها من الدول.. 

الفشل في افغانستان كان متوقعاً لأن الدول لا تبني هكذا .. !! فلكل دولة و مجتمع معطياته و سياقاته التاريخية التي تفرض عليه انساق تطور بعينها و لا يمكن لأي قوة مهما ملكت من مال و سلاح و "كوادر ادارية -خبرات اجنبية" ان تخلق توليفة تصنع حكومة تعمل في دولة و مجتمع و تحظي بالنجاح..

تجارب اميركا في اوروبا و اليابان "خطة مارشال" و كوريا الجنوبية كانت بمعطيات مختلفة فتلك كانت دول و مجتمعات مكتملة البناء فقط مرت بظرف عصيب اقتضي قبول تدخل خارجي و عمل جراحة طارئة لعلاج الاستعصاء ثم عادت الامور لنصابها .. فاميركا لم تبني المانيا و لم تعيد بنا اليابان و كوريا الجنوبية، انما شعوب تلك الدول هي من بنت بلدانها.. 

خطة اميركا في افغانستان كان محكوم عليها بالفشل منذ عامها الاول، فادارة بوش الابن استخفت بالجميع و بما في ذلك المواطن و دافع الضرائب الاميركي نفسه، فما صرف من اموال علي مشروع اميركا في افغانستان (تريليونات الدولارات) ها هي محصلته لا تجاوز الصفر! فقط لأن المشاريع التي صرفت فيها الاموال لم تكن تستوعب الفرد الافغاني العادي انما كانت علي مقاس فئات بعينها هي التي انتفعت و هي نفسها التي غادرت مع تقدم طالبان! و كانت لمصلحة شركات و بيوتات اميركية و دولية استثمرت في تلك المشاريع الفاشلة!

مشروع اميركا لافغانستان ان جاز التعبير قام بالاساس علي حالة الغضب التي اعقبت تفجيرات نيويورك، و لم تتم بلورة مشروع بالمعني، و لأن السياسة الخارجية الاميركية ظلت محكومة بمبادئ روزفلت و ايزنهاور التي تقول ان اميركا لن تدعم الحرية و الديمقراطية خارج اراضيها و انها ليست - فاعل خير بعكس ما كان سائدا لسنوات بموجب مبدأ ودرو ولسون، و بقيت الخارجية الاميركية حيال افغانستان متنازعة بين الاتجاهين حتي حدث الترجيح لصالح الانسحاب بصعود التيار الترامبي!  

المهم ان مشروع "فيالق الديمقراطية" سقطت في كابول.. و السؤال المهم هو هل يسقط المشروع في العراق ايضاً و تعود قوات البعث لتستولي علي مقاليد الامور بعد فشل الطبقة السياسية التي تخلقت في حواضن الغزو الاميركي؟!

قد تكون هناك فوارق كبيرة بين العراق و افغانستان و بين المجتمع العراقي و الافغاني .. و مع كون النتيجة واحدة "فشل المشروع الاميركي- الشرق الاوسط الجديد" فان فشله في العراق قد لا يعني عودة البعث بذاته "لأنه لم يكن يتمتع بحاضنة اجتماعية واسعة" لكن فداحة الفشل وحدها كفيلة بأن تجعل عجلة التاريخ تدور القهقري! 


#خارج_الصندوق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...