لست مع امر ما؟! اذاً فانت ضده !!
لست ضد امر ما ؟ اذاً فانت معه !
نمط التفكير البدائي هذا يسيطر علي السودان منذ وقت طويل، تفكير لا يستطيع ان يعقل ما يزيد عن قطبين اما مع او ضد؛ تفكير ثنائي، كل شئ عندنا ثنائي و لا مجال لقطب ثالث او رابع .. او عاشر!!
من هنا جاءت ثنائية انصار/ختمية، و بدرجة و مستوي اقل ثنائية أمة /اتحادي ثم في مستوي مختلف ثنائية شيوعي/اسلام-سياسي، و ثنائية هلال/مريخ في الرياضة ، و محمد وردي/ محمد الامين في الطرب.
في العقل السوداني ليس ثمة ما يمنع ان تكون شيوعي و اتحادي و ختمي في نفس الوقت فهي مراتب متوازية كما لا ما يمنع ان تكون اسلام-سياسي/اخواني، و حزب امة و انصاري في نفس الوقت !! لكن يستحيل ان تكون ختمي و انصاري طبعاً، او اسلاموي و شيوعي.. هنا تكمن المانوية عقيدة الاضداد الثنائية ..
استغل النظام البائد عقليتنا الثنائية الاستقطاب هذه اسوأ استغلال و ابشعه..
فايام احالة البشير للمحكمة الجنائية حصرتنا الحكومة بين خيارين (مع الاحالة او ضدها)، فان قلت مع الاحالة فانت خائن و مفرط في السيادة و ان كنت ضدها فانت مع ابادة البشر و مع جرائم البشير!!
مع ان تلك القضية تحتمل ألف خيار، لكن النظام البائد يستفيد من الخيارات الثنائية و نحن نساعده بالعقل الثنائي..
اليوم تنحصر الخيارات ايضاً : هل انت مع الاتفاق الاطاري؟ ام ضده؟
لا يمكن ان تقف بعيد عن "الاطاريين" لكن توافق علي منح جهود الحل السياسي فرصه!
و لا ان تقف قريب منهم لكن مع الحذر من فشل الاطاري!!
فاما مع او ضد .. لا خيار آخر؛
و ان كنت مع الاتفاق فعليك دعمه حتي و ان ثبت انه لن ينجح في تحقيق اختراق و تثبيت اركان التغيير و الانتقال الديمقراطي..
و ان كنت ضد "الاطاري" فعليك ان ترفض ثماره و ان نجح في ابعاد الانقلابيين و تحقيق اهداف الثورة و أتي بالمن و السلوي.. و ليس عليك ان ترفض كل ذلك بل من واجبك ايضاً ان تعمل علي افشاله!
بسبب عقلية المع و الضد الثنائية هذه فان المسرح السياسي السوداني يبدو اعقد من مؤلفات شكسبير المسرحية و روايات الأدب الروسي (الحرب و السلام - و الجريمة و العقاب) و من رواية الكولمبي ماركيز (مائة عام من العزلة) و من روايات أجاثا كرستي البوليسية .. ففي مشهد من مشاهد السياسة السودانية تجد خصمين يشهر بعضهم لبعض مختلف الاسلحة المباحة و المحرمة و متعاركين بلا قيود و لا قواعد، و في مشهد اخر بعد ساعات فقط و ليست ايام تجدهم في وئام!!
اليوم و بسبب الموقف من الاطاري تجد الاسلامويين و البعثيين و الشيوعيين (و فريق من لجان المقاومة!) و محمد الأمين ترك و مناوي و جبريل و أردول في قمة الانسجام و الوئام!
فيما تجد مؤتمر -ابراهيم الشيخ و خالد يوسف- السوداني و تجمع -الفكي و جعفرحسن و بابكر فيصل - الاتحادي في قمة الوفاق مع حميدتي و برهان و معهم حزب - فضل الله برمه/و المنصورة مريم- الأمة !!!
لنحدث اختراق في حالتنا السياسية علينا ان نتخلص من تفكيرنا الثنائي هذا و ننفتح علي خيارات أكثر، لكن كيف السبيل الي ذلك؟ الانفتاح العقلي و التدرب الفكري علي اكثر من خيارين عملية طويلة و صعبة و ليست مريحة كعملية التفكير (المع و الضد) .. و النجاح في ذلك يتطلب مجهود من المدارس و التعليم و اجهزة الثقافة و الاعلام و من السياسيين و كتاب الرأي، و هؤلاء انفسهم يحتاجون الي التدرب علي ذلك.
تعليقات
إرسال تعليق