انصار النظام البائد اشتغلوا علي الهنات التي صاحبت تفكيك التمكين و جاء بها القانون (قانون تفكيك التمكين لنظام يونيو ١٩٨٩م) و ضخموها لتعطيل الانتقال الديمقراطي و افشال التغيير و وأد الثورة و لتدعيم المكون الانقلابي و توفير مسوغات و مبررات الانقلاب و دعمه بعد حدوثه..
كل ذلك العمل كان بتنسيق عالي بين عناصر النظام البائد و قادة المكون الانقلابي العسكري و الأمني و بتواطؤ من بعض عناصر المكون المدني .. بحيث يتم التركيز علي الشق التنفيذي (عمل لجنة ازالة التمكين) فيما يغض الطرف عن الشق التشريعي (سن القانون و تعديلاته).
يظن انصار النظام البائد ان تلك الهنات التي ملأوا الدنيا صياح بسببها ستنسي الشعب جريمة التمكين (و الفساد الذي تبعه كإبن غير شرعي)؟!
و التمكين جريمة لم يشهد العالم مثيل لها و لا أجبن منها .. فهي لا تقل خبثاً عن المحارق النازية و غير النازية و الابادات الجماعية و التطهير العرقي..
التمكين هدف الي الغاء كل من هو معادٍ لسياسات التنظيم الاسلامي الحاكم، بل و الغاء كل من هو غير منتمٍ له، و تعريض كل هؤلاء للافقار و التشريد تعريضهم لضغوط نفسية رهيبة ..
جريمة التمكين لا تكمن في فصل و تشريد عاملين بحجة "الطالح العام" و الذي سموه كذباً "صالح عام"؛ و لا في حرمان بعضهم من التدرج الوظيفي و الترقي للمراتب التي يستحقونها؛ و لا في حرمان البعض من الالتحاق بسلك الوظيفة العامة (المدني أو النظامي) التي هم جديرون بشغلها ..
انما تمتد الي تدمير جهاز الخدمة العامة و بالتالي الاضرار المباشر بكل مواطن، لا يستثني ذلك المواطن المقيم في الارياف و "الهوامش" البعيدة مثلما يطال سكان الحواضر و المراكز.
لثلاثة عقود كان المعيار في شغل وظائف جهاز الدولة المدني و العسكري هو الولاء للتنظيم ثم المحاباة و القرابات و المصاهرات "النسب" علي حساب الكفاءة .. و هو نفسه المعيار المتبع في الترقي للمناصب العليا و "الاستوزار"، لذا كانت النتيجة المنطقية و الحتمية هي انهيار و تردي مستوي الخدمة و انحلال علاقات العمل (القوانين و اللوائح و النُظم) و حلت محلها علاقات العوائل و العشائر، و من ثم تفكك الاجهزة و تضعضعها حتي اصبحت اطلال اجهزة..
ثم كان الفساد الذي بدء يتفشي منذ سنوات عهد العلاقات التنظيمية ثم وصل قمته في زمن علاقات العوائل .. حتي بات الحديث عن امبراطورية اخوان البشير و امبراطورية اهل نافع و طه و اقارب كرتي و جمال الوالي و عوض الجاز.. الخ من ضرب الحديث العادي و المكرور!
ان انقلاب المكون العسكري علي عملية ازالة التمكين و الحديث عن فساد في "لجنة الازالة" لن يفيد المكون الأمني و لن يفيد بقايا المؤتمر الوطني، ان رواج مثل تلك الدعاوي و التي تستفيد من ميل "العوام" لتداول الاخبار الفضائحية و ان كانت غير دقيقة و لا صحيحة؛ لا يعدو كونه استهلاك قصير العمر و لن تلبث الأمور لأن تعود الي نصابها في اجل قريب.
التمكين (و الفساد الذي يتبعه كإبن غير شرعي) ظاهرة اخطبوطية يستدعي اجتثاثها و قطع اذرعها معرفة دقيقة و المام شامل بكل حيله و سلوكياته و علاقاته "الاخطبوطية".
و الذين قرروا التصدي للتمكين لم يكونوا يعرفون ما هم بصدد مواجهته؛ التعريف الوارد في قانون التمكين يشير الي انهم لا يعرفون ابعاد و عمق تلك الظاهرة!
لقد ظنوا ان التمكين (و الفساد الذي يتبعه كإبن غير شرعي) مجرد وظائف دولة شغلها اشخاص دون وجه حق و اراضي بالهكتارات سجلت في اسماءهم و اموال و ارصدة في البنوك..
في حين ان التمكين (و الفساد الذي يتبعه كإبن غير شرعي) هو تقويه Empowerment لفئات معينة بكل و سائل التقوية غير المشروعة!
لقد امتد التمكين (و الفساد الذي يتبعه كإبن غير شرعي) الي القطاع الخاص (المحلي و الاجنبي/ شركات الاتصالات و النفط و التعدين ...الخ) و في النشاط الاقتصادي التجاري و الصناعي و الزراعي و الخدمي؛ اذ تم تمويل اشخاص و منحوا اعفاءات ضريبية و جمركية بهدف السيطرة علي اسواق التجارة و الصناعة و الزراعة و الخدمات و لتنفيذ غرض رئيسي هو طرد غير الموالين من تلك الساحات..
و امتد التمكين (و الفساد الذي يتبعه كإبن غير شرعي) الي المنظمات الطوعية المحلية؛ و المنظمات الدولية الأممية و الاقليمية التي للسودان حصة في مناصبها القيادية و القاعدية (UN, AU, IGAD و الجامعة العربية و منظمة التعاون الاسلامي) و حتي المنظمات غير الحكومية (الهلال الاحمر و الصليب الاحمر و سائر المنظمات الوطنية و الاجنبية)..
تلك الممارسات التي استمرت لثلاثة عقود استقرت ثم باضت و فرخت و طارت افراخها حتي ظن الناس ان هذا هو الوضع الطبيعي!
كما ان التمكين (و الفساد الذي يتبعه كإبن غير شرعي) طار الي الخارج في شكل ارصدة في بنوك اجنبية و عقارات و استثمارات في دول اجنبية.. حتي اصبحت استثمارات عناصر النظام البائد في الخارج اضعاف التي بالداخل!
لذا و عندما بدأت عملية ازالته في عهد الحكومة الانتقالية ادارت عناصر النظام السابق ماكينة ضخمة من الموارد في الداخل و الخارج بهدف احداث ازمة اقتصادية و بهدف ضرب استقرار العملة الوطنية بحيث تصاب السلطة "الانتقالية المدنية" بالعجز و الشلل و يسهل الانقضاض عليها و الاطاحة بها!
و لأن جهاز ازالة التمكين "اللجنة" لم يكن يعرف حجم المعضلة التي يتعامل معها غرق في دوامة من المشاكل و اغرق معه كامل المنظومة الحكومية!
إن ابقاء تفكيك التمكين (والفساد الذي يتبعه كإبن غير شرعي) كأولوية حاضرة يتطلب مجهود مضاعف، مجهود يبدأ بالوعي و يستصحب التوعية المستمرة بمضار سياسة التمكين (و الفساد الذي يتبعه كإبن غير شرعي) طوال عملية ازالة و تفكيك بِناه و علاقاته و سلوكياته و اخلاقه التي غرسها عميقاً طيلة ثلاثين عاما؛ كما يستصحب حقيقة ان التمكين طال كل المؤسسات الرسمية و الخاصة و المنظمات و له امتدادات خارجية و لذا يجب ان تكون عملية تفكيك اوصاله شاملة لا تستثني أي بُعد من تلك الابعاد.
تعليقات
إرسال تعليق