انعقد مؤتمر شركاء السودان الذي بدا ان الحكومة الانتقالية ذات الطابع المدني كانت محقة في تعوليها عليه، و لا يمكن بحال التقليل من قيمة هذا المؤتمر فمع الدعم المالي المعقول و المقدر فانه يمثل دعم سياسي دولي مقدر كذلك كأول ملتقي دولي ينعقد علي شرف عودة السودان الي الأسرة الدولية بعد ثلاثة عقود حكمته فئة مارقة علي القيم الوطنية السودانية و القيم الدولية معاً..
هذا الترحيب الدافئ الودود يمثل دعم كبير لشعب السودان و لحكومته الانتقالية.
هذا الدعم السياسي يستلزم ان يتم استثماره لتأمين وصون عملية الانتقال الديمقراطي من القوي المعادية للديمقراطية داخلياً و خارجياً، و المعادية لتأسيس دولة حكم القانون، نعرف جيداً ان بعض الدول التي اعلنت تبرعها و دعمها بمبلغ (ما) هي علي استعداد لأن تدفع (سراً) و ربما دفعت بالفعل مئات أضعاف المبلغ المعلن لتعويق و إسقاط حكومة الانتقال المدني و عرقلة عملية التحول الديمقراطي ..
السودان يحتاج الي نشر و تمتين شبكة علاقات دولية تحميه من تجاذبات القوي المعادية للديمقراطية في المنطقة .. و تحميه من الدول التي تستكثر علي السودان ان تقوم فيه دولة علي مبدأ حكم القانون و ترعي حقوق الانسان و حرياته و علي رأسها الحريات الصحفية و حرية التعبير..
فهي اولاً تخشي من "عدوي" الحكم الرشيد! و تفضل ان تتعامل مع حكومة مستبدة و فاسدة حتي إن كانت معادية لها في العلن،
و ثانياً؛ لن تجدي كل التطمينات من شاكلة اختلاف السياقات السياسية و الاجتماعية و الفوارق التاريخية.. الخ في تهدئة روع تلك الانظمة و دفعها لمجرد قبول نظام رشيد في السودان ناهيك عن دعمه!
لذا الحل الانسب هو صياغة استراتيجية لحماية و تحصين الانتقال الديمقراطي من التدخلات الاقليمية و الدولية، بأن يتم تصنيف الدول حسب موقفها من دعم الانتقال أو عدمه.. و من ثم تكون العلاقات الخارجية الدبلوماسية و السياسية و الاقتصادية قائمة علي اساس موقف تلك الدول.
استراتيجية الحماية و التحصين تقتضي تقليص و حصار دَور الدول المعادية للسودان و حصار تدخلاتها في الشأن الداخلي و دعمها للتيارات الانقلابية، هذا الأمر ليس سهلاً لنعلم ذلك جيداً، لما انبني من صلات متداخلة لعقود عبر سوق عمل ضخمة و سوق واردات و معاملات تجارية اضخم و تداخلات منظمات طوعية "منظمات ظاهرها البر و الاحسان و الدعوة الي سبيل الله؛ و باطنها اجندة مخابراتية بينة الخطر" لذا يتطلب صياغة مقاربة دقيقة جداً، نسعي عبرها لتقليص تأثير تلك الدول في شؤوننا و عبر تقليص تأثيرنا غير المباشر في شؤونها بتوجيه جالياتنا "في بلدان اللاسياسة تلك" بعدم ممارسة اي نشاط سياسي و عدم الخوض في نقاشات عامة خصوصاً مع مواطني تلك الدول لأن هذا يمثل مدخل مناسب ليمارسوا عبر "كلامنا العفوي في السياسة" تدخلات غير عفوية.
كما يقتضي ذلك تأسيس دائرة خاصة بمثل هذه الانشطة في جهاز الأمن الداخلي الجديد لمراقبة هذا الجانب لمنع استغلال افراد جالياتنا بالخارج ضد وطنهم.
هذا الاستراتيجية مطلوب منها ان تستثمر الدعم السياسي الذي تبلور في مؤتمر شركاء السودان و تحوله الي حلف استراتيجية يوفر ضامن من ارتداد السودان لمربع الدولة الفاشلة و المارقة و الراعية للارهاب.. و بوصلة لبناء مؤسسات و مبادئ دولة المواطنة و الحكم الرشيد.
هذه هي مهمة وزارة الشؤون الخارجية و بمساعدة لجان الشؤون الخارجية و الدولية بكل الاحزاب و ايضاً مراكز التفكير و الابحاث السياسية، فعهد دبلوماسية الكلام الودي "الدول الشقيقة و العلاقات الازلية.." و الفعل المعادي والضار في الواقع انتهي، في الماضي اتبعنا دبلوماسية النوايا الحسنة و فيما كان قادة السودان الديمقراطي يجهدون في ايجاد حلول لأزمات "الاشقاء" و يوُفِقون بين المتخاصمين منهم "اللاءات الثلاثة" كان أولئك الاشقاء يدبرون محاولات انقلابية و كانوا أول الداعمين لها! فمايو 1969 وجدت دعم غير مسبوق من مصر الناصرية و غيرها و كذلك يونيو 1989 جاءها أول اعتراف من مصر مبارك الذي زعم لاحقاً أنهم "خُدعوا"!! و هل تُخدع "مخابرات رأفت الهجان"؟!
هذا زمن دبلوماسية الدفاع عن الكيان و الحق في الوجود، فلن نوادد من يعمل علي هدم استقرارنا و كياننا مهما كانت اواصر الدم و الدين بيننا لأنها لم تعصمنا من ان يكيدوا لنا "كما كاد اخوة يوسف له"! انما نبني صلات قائمة علي الاحترام مع الدول و الشعوب التي قطعت اشواط علي درب النهضة و النمو الاقتصادي و السياسي فصلات مع تلك الشعوب و انظمتها أفضل لنا من دبلوماسية الدم و الدين و اللغة!
علي الحكومة الانتقالية ان تعمل للتأكد من ان تتحول هذه التصريحات الأيجابية خصوصاً تلك التي تصدر عن مسؤولين في الحكومة الاميركية الي فعل ايجابي علي الواقع، و هذا لن يتم إلا بموالاة الضغط الشعبي و الرسمي علي الادارة الاميركية و توظيف الزخم الذي وفرته ثورة ديسمبر و القبول الذي وجدته داخل اروقة كل المؤسسات و المراكز الرسمية و غير الرسمية في اميركا و الدول الاوروبية..
************************
يوليو ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق