لايزال الناس في بلادي عُرضة لأن تجرفهم سيول الوديان و الخيران... الأن في العام ٢٠٢٢م !!!
معظم الطرق في الارياف و المدن غير مُعبدة لذا لا تزال تنقطع خلال موسم الأمطار.. حتي الطرق المُعبدة "بالردميات" و المسفلتة لم يتم تشييدها بمواصفات معقولة بمجاري و جسور لتمرير مياه السيول لذا تجرف السيول تلك الطرق بمن و ما عليها من مارة و مركبات .. فتنعزل مناطق عن العالم لشهور !!
انقطاع الطرق يتسبب في حرمان الناس من خدمات الصحة و العلاج و خدمات التعليم و من الوصول للاسواق لتوفير حاجياتهم اليومية من الغذاء و من تسويق منتجاتهم في الوقت المناسب قبل ان تتلف و حرمانهم من الوصول الي خدمات الدولة الادارية "استخراج اوراق" و اتمام معاملات ادارية او قانونية..
ان وظيفة الدولة الأهم هي تمهيد الطرق للناس و توفير امكانية الوصول الي اي مكان باسرع و ايسر التكاليف.
عدم تمهيد الطرق هو السبب الأول في الازمات التي ظلت البلاد تعاني منها..
شح الموارد و "ماهو اهم" شح النفوس لبناء شبكة طرق متكاملة هو ما تسبب في بروز ظاهرة التمركز و التهميش التي تجادل بشأنها النخب.. لقرن ظلت البلاد مربوطة بما يشبه الربط الخيطي! فهناك طريق واحد من شرقها الي غربها و طريق واحد من شمالها الي جنوبها لذا كان الوصل بين أي نقطتين يتطلب المرور بالمركز؛ هذا هو ما تسبب في خلق ظاهرة سيطرة المركز ...
انه لمن المخجل و المجحف بل و العار ان تكون شبكة الطرق البرية و الحديدية في قطر مساحته "كانت" مليون ميل مربع / تزيد عن الاثنين مليون كيلومتر مربع؛ و تقلصت الي نحو مليون و سبعمائة الف كيلومتر بفعل فصل الاقالين الجنوبية، و تكون اطوال تلك تلك الطرق البرية بضعة الاف من الكيلومترات!
الربط "الخيطي" في النقل الحديدي يظهر في خط السكك الحديدي الوحيد الذي يخترق البلاد من شمالها في حلفا مرورا بالوسط حتي سنار ثم ينحرف الي كوستي ثم يتجه غربا حتي الجنينة .. و من الوسط "عطبرة" يتجه شرقاً الي كسلا ثم الميناء الرئيسي "بورتسودان".. لم يكن هناك من يفكر مجرد تفكير او يقترح مجرد مشروع و تصور لمد خط من الشمال الي الغرب و من الشرق الي الشمال و من الشرق من افضل نقطة الي الغرب..
و في طرق النقل البري في كذلك ترتبط بطرق "قومية" فقيرة و متهالكة و "خيطية" و ليس هناك طريق مسفلت و لا معبد يربط الشمال بالشرق و لا الغرب بالشمال و لا الغرب بالجنوب!
لذا فان الوضع قبل قرن (زمن درب الاربعين) هو افضل من الوضع اليوم!
اما النقل الجوي فبسبب تكلفته الباهظة في تأسيس بنيته التحتية (المطارات و الطائرات نفسها) و ما يؤدي الي ارتفاع في اسعار تذاكر السفر للافراد و تكلفة شحن البضائع فهو لا يعتمد عليه بسبب قلة تأثيره.
حتي ترتبط البلاد ببعضها برباط وثيق تحتاج الي شبكة نقل (شبكة طرق و ليست طرق خيطية)، فالطرق الآمنة و السريعة هي ما يشد اواصر الاقاليم الي بعضها و يحقق لحمة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية كما يسهل علي الدولة مهمة التعامل مع المهددات الامنية..
مبدئياً تحتاج البلاد الي وضع خارطة "شبكة" طرق طموحة بغض النظر عن الموارد المتاحة؛ فالخطة الطموحة تحفز لحشد الموارد المحلية و الاجنبية، و العمل وفق خطة يشجع المواطنين و المستثمرين علي تحويلها لواقع ..
ضعف الموارد الذي قاد الي طرق و وسائل نقل شحيحة تمخضت عنها حالة التمركز و التهميش و التي تلغفها البعض علي انها أُس العلل و سبب البلاء، و ان المركز ينمو و يتطور علي حساب الهوامش؛ و يمتص خيراتها و يمنعها من الاستقرار والنمو !!
أسموا ترهاتهم تلك "جدلية المركز و الهامش" و كأن المركز يتطور وفق خطة و ينمو بوتائر مدروسة! في حين انه "المركز" يتضخم نتيجة فشل الحكم و الادارة و عدم التنمية و غياب التخطيط و ينعكس كل ذلك علي الاستقرار فتبدأ المناطق الضعيفة في الانهيار و يلجأ الناس الي التجمع في المناطق التي لا تزال صامدة .. المركز يتضخم لأن الهوامش تزحف نحوه بحثاً وضع افضل..
اذا وزارة النقل و المواصلات هي التي بمقدورها فك اشتباك "المراكز و الهوامش" هذا، عبر بناء و تشييد شبكة طرق برية و سكك حديدية و مطارات و مهابط تسعي لخدمة و توفير امكانية الوصول السريع و الآمن لأية بقعة علي تراب الوطن، فتنساب الخدمات و السلع و الأموال و المعارف و المعلومات/ و الأفراد .. الخ و تقوم امكانية استقرار و نمو و نهضة و تنمية متوازنة و مستدامة.
يوليو ٢٠٢٢م
تعليقات
إرسال تعليق