السنوات هي الفاعل الرئيس في هذه البلاد و في الخرطوم تحديداً .. (ان لم تكن الفاعل الوحيد)!
فعبر ما تجلبه من احداث سيئة (كوارث) تؤثر علي حالة الانسان و علي شروط اجتماعه المديني (في الخرطوم و في سائر المدن كبيرها و صغيرها) و علي مستوي القطر المترامي.. فتدفع باتجاه مزيد من التعقيدات و المشاكل و النزاعات و سائر المظاهر السالبة..
او ما تجلبه احياناً او نادراً من احداث سعيدة و جيدة فتنعكس رخاءا و ازدهار و راحة لأجل!!
لا خطط تحكم حياة الناس هنا و لا مشاريع مجدولة و برمجة يتم وضعها و تعمد تحقيق اهداف و الوصول لنتائج..
حتي عندما تفطن الدولة الي ان التخطيط هو واجبها الاول فانها تركن الي وضع خطط مفارقة للواقع و امكانتها و يقوم بوضعها موظفون لا يخططون لحياتهم الخاصة ناهيك ان يخططوا لشعب، و لذا دائماً ما يتم نسيان تلك الخطط في الادراج المظلمة!
اليوم تزمع ولاية الخرطوم وضع خطة لسبع سنوات.. تنتهي في ٢٠٣٠م، و تلك خطة انقضت منها ثلاثة اشهر!
ستكون سبع سنوات عجاف؟ فهل يأتي بعدها عام يغاث فيه الناس؟!!!
نقول ذلك لأننا نري ما يقوم به والي الخرطوم المكلف منذ عام و نصف!
والي الخرطوم المكلف من قبل الانقلابيين، كنا نظنه من عينة الموظفين الذين ارهقهم ثقل و اخطاء الرؤساء من السياسيين طيل العقود الماضية و انهم ان تحرروا من ذلك الثقل سيبدعون و ينجزون .. لكن خاب ظننا!
فالعقود الماضية انتجت موظفين من طينة اردأ من طينة السياسيين!
موظفين اتوا او بقيوا بالمحاباة و الولاء لا بالكفاءة و الانجاز!
والي الخرطوم المكلف لا يري من مشاكل الولاية الا الاوساخ و حفر الاسفلت في محيط القصر و دار الولاية لذا يجهد نفسه و مرؤوسيه (و رؤساءه الانقلابيين كذلك) فيخرج يوما في معية قائد الانقلاب و يوماً في معية نائبه ليزيلوا بعض اكياس البلاستيك من حول مقراتهم؟!!
و أخيراً تفتقت عبقرية ساسة الولاية عن خطة بعنوان ٢٠٣٠ ؟!
قد يكون الوضع المحتقن و حالة الافلاس العام الذي يعصف بالحكومة و المواطنين هو انسب وقت للتخطيط للمستقبل! لكن هل لنا جهاز قادر علي التخطيط؟
علي كل حال لم يتم الافصاح عن شئ من خطة الولاية الا عنوانها (الخرطوم ٢٠٣٠م)؟!!
و لا نتوقع وجود شئ خلف هذا العنوان .. فهو مجرد رسالة للاستهلاك الاعلامي!!
عموماً و للفائدة العامة و فائدة الوالي "المكلف" فان مشاكل الولاية اعقد من اكداس النفايات في المربع السيادي (منطقة القصر و مجلس الوزراء و امانة الولاية و القصر) و لا حفر الاسفلت..
مشاكل الولاية المزمنة تتمثل في:
١/ انهيار او انعدام بنية التصريف و الصرف الصحي، ففي كل موسم امطار تتحول المدينة الي "بِركة" و تونج !! و تتعطل الحياة بصورة تامة لايام، و تتعذر الحركة الا بمشقة و عنت شديد.. علاوة علي خسائر الارواح و الممتلكات جراء الانهيارات و الصعق الكهربائي..
فالولاية تحتاج الي الشروع في تصميم و تنفيذ مخطط متكامل لتصريف مياه الامطار و مجابهة مخاطر السيول و مخاطر فيضان نهر النيل.. و لو كان المخطط بشكل متكامل (علي المستوي القومي) فان ذلك سيكون افضل بحيث يسفر عنه الاستفادة القصوي من مياه الامطار و السيول و الفيضان لصالح (حصاد المياه) ما يوفر حلاً لباد مشكلتها (متلازمة الطوفان و الجفاف/ الغرق و العطش).
كذلك فان الولاية تعاني في شق الصرف الصحي حيث ان الشبكة الحالية لا تخدم الا اقل من ٥% من مساحة الولاية! بينما البقية تعتمد بشكل متنامي علي الصرف التقليدي (البلدي) او تصريف الآبار السطحية ما يشكل قنبلة بيئية موقوتة يمكن ان تنفجر في أية لحظة و تنعكس في وباء صحي خطير.
باختصار تحتاج الولاية الي تحويل هيئة او ادارة تصريف الامطار و الصرف الصحي الي اهم جهاز فيها في المرحلة المقبلة حتي ٢٠٣٠ و ما بعدها أي حتي ضمان تأسيس بنية تحتية من المجاري و المصارف مؤهلة لتخدم مدن الولاية لعقود قادمة مديدة.
٢/ مشكلة الخرطوم الولاية الثانية هي المواصلات، اذ لا تزال المواصلات العامة فيها تدار بعشوائية و تعتمد بشكل كامل علي مساهمة القطاع الخاص غير المنظم، افراد،
عندما كان الوقود مدعوم من الدولة كانت ازمة المواصلات كارثية اما بعد رفع الدعم فانها تحولت الي كارثية متفاقمة!
و لا تتوقف المشكلة عند ملكية مركبات النقل العام بل تمتد الي تخطيط المواصلات نفسها، فالخطوط فيها من اقتراح سائقي المركبات و متحصليها و "كمسنجية المواقف" ..
لكل مدينة في العالم (عدا مدن السودان طبعاً و الخرطوم علي رأسها) خريطة مواصلات رسمية معتمدة، و اذا كلفنا افضل المهندسين عندنا او في العالم بتعقب خطوط المواصلات في الخرطوم فانهم سيفشلون في رسم خارطة لها او سيضعون خارطة اشبه ببيت العنكبوت!
قطاع المواصلات يحتاج لتفكير جديد و حلول جذرية و ليست اسعافية.
٣/ ثالث مشاكل الخرطوم هي عشوائية الاسواق التجارية و التي تتمدد بلا حدود و لا ضوابط!
الاسواق تلتهم المدين من داخلها! و تستشري استشراء الداء في الجسد .. فيما سلطات الولاية و محلياتها لا هم لها الا جبايات الرسوم و الرخص و الضرائب، اسواق الولاية تحتاج الي لائحة ضوابط تحكم تلك الاسواق من حيث المساحة اولاً فلا تتعدي حدودها ثم تنظيم الاسواق في داخلها و توضيح مكان كل نشاط تجاري فيها فلا يختلط حابل محلات بيع الاغذية بنابل محلات التنباك و الحلاقة!
قديماً كانت الاسواق مشهورة بأن بها صفوف فهذا صف الجزارات، و ذلك صف الخردوات و صف الملابس، اما اليوم فلا صف انما كله يختلط بكله!
٤/ رابع مشاكل الولاية هو فوضي الطرق و الزحام المروري، فالتعدي علي حرمة الطريق ماعادت جناية بل حق!
بينما سلطات المرور ما عاد عملها تقديم خدمة تضمن السلامة للجميع انما جباية المزيد من الدخل للمالية و للشرطة!
الطرقات الأن خارج ولاية أي جهة عامة او حكومية! و تحتاج الولاية تفعيل سلطتها علي الطريق و وقف التعديات..
٥/ خامس مشاكل الولاية هو انعدام و غيابة استراتيجية التخطيط الحضري (المديني) فالمناطق الصناعية تختلط بالاحياء السكنية و مناطق الخدمات (التعليم و الاستشفاء) تخالط الاسواق التجارية، و المناطق العسكرية في قلب الحي السيادي/ الحكومي و في قلب الاحياء السكنية.. و دونكم المدرعات و الذخيرة و و (حادث انفجار سلاح الاسلحة و قصف مصنع اليرموك)!
تحتاج الولاية و مدنها المختلفة لاعادة النظر في تخطيطها الحضري و تضع استراتيجية لعلاج الاشكالات القائمة و تلافي المستقبلية.
اذا نجحت الولاية في علاج تلك الازمات المزمنة فان خدماتها في مجال جمع النفايات و تقديم خدمات التعليم و الرعاية الصحية (و الترفيه و رعاية الانشطة الثقافية و الرياضية) ستنساب منها بيسر الي المواطنين.
تعليقات
إرسال تعليق