التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قانون الترابي

 القانون الجنائي السوداني لسنة1991م "ما عليه و ما ليس له"

سنت الانقاذ خلال سنواتها الثلاثين العجاف عدد كبير من القوانين التي تعد بالمقاييس القانونية و التشريعية بعض من اسوء القوانين التي عرفتها البشرية لكن اسوء تلك القوانين طراً هو القانون الجنائي لسنة 1991م

الغريب انه برغم التعديلات العديدة و المتنوعة التي ادخلت عليه و التي تجاوز العشرين تعديلاً إلا انه بقي علي سوءه أو زاد عليه!

قانون العقوبات أو القانون الجنائي هو احد أهم القوانين في اي دولة و لأي مجتمع و مؤسسيا قد يأتي في اهميته بعد الدستور مباشرة، بينما من حيث التطبيق و مساسه بحياة الناس فهو القانون الاول بلا جدال.

سوء قانون 1991م نتج عن انه سنته السلطة الانقلابية في شهورها الاولي و حرصت علي ان يمنح السلطة امكانية واسعة لتدين و تجرم و تعاقب من تشاء من خصومها، كما انه و في يقيني سن علي يد شخص وحيد "و ربما في بضع ساعات" ذلكم الرجل هو عراب الانقاذ و امام أخوان السودان "الشيخ الترابي"!

و القوانين يجب حتي تكون كاملة وعادلة يجب ان يسهم في صياغة بنودها اكبر عدد من المشرعين "مفكرين و فلاسفة و سياسيين و قانونيين في الختام"

احد مثالب قانون 1991م هو الاختصار و الاختصار المخل، هذا الاختصار يجعل بنوده موغلة في العمومية و الشمولية و الابتسار، و احد شروط تطبيق القانون بعد نشره للعامة هو الوضوح و التفصيل، تلك من شروط شرعية القوانين، و بنود القوانين العقابية في الوضع الطبيعي تتراوح بين سبعمائة الي ألف بند و مادة Article عدا عن بنود المذكرة التفسيرة التي تلحق به لتفصيل الحالات المهمة المتعلقة بالبنود التي يمثل تطبيقها أمراً جليلاً كتلك التي تعاقب بالاعدام أو مصادرة الحرية مدي الحياة أو لمدد طويلة، و علة الاسهاب تلك هي تجريد القانون من اي نزعة تجريمية و تعقيد إدانة و تجريم الأشخاص الأبرياء "و الإنسان برئ إلي أن تثبت إدانته بدليل فوق الشك المعقول" بينما "قانون الترابي" جاء في مائة تسعين بنداً فقط! و هذا يعني أنه قانون تجريمي بامتياز و قابل لأن يتم استغلاله (أساساً بواسطة السلطة السياسية) لتحقيق أغراض سياسية و إدانة الخصوم السياسيين!

تطبيق هذا القانون اسفر عن تشوهات كثيرة ابرزها ان تفشي ظاهرة الافلات من العقاب قاد بدوره الي بروز نمط جديد من الجرائم يمكن ان نسميها "جرائم الدولة" ففيما اهتم القانون بمعاقبة من يرتكبون جرائم و جنح ضد السلطة الحاكمة و اهمل محاكمة ممثلي السلطة علي سوء استخدامهم للسلطة حتي بلغنا مرحلة أصبحت السلطة ترتكب جرائم فظيعة ضد المواطن و اصبحت الدولة هي المجرم الكبير!

كما أدي لظاهرة "جرائم النظاميين" فمعظم الجرائم الخطيرة حتي داخل المدن "قتل، و اتجار في المخدرات، و السلاح، و الاحتيال" التي ارتكبت في الآونة الأخيرة ارتكبها منسوبو القوات النظامية!

التعديلات العديدة و المتنوعة التي أدخلت علي قانون 1991م الجنائي لاحقاً لم تخرج عن السياق الذي شرع فيه و لم تضف له أي جديد اللهم إلا البنود التي تنص صراحة علي تجريم الإبادة الجماعية و التطهير العرقي و الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب، و تلك التعديلات أدخلت تحت وطأة الرهبة من المجتمع الدولي و تحت الخوف من سيف محكمة الجنايات الدولية المسلط علي رأس الدولة!

و تلك التعديلات لم يكن لها من ضرورة بل و لم تفيد شيئا في الواقع، فالمشكلة لم تكن في النص الجنائي بل في جهاز الدولة كله الذي يرتكب جرائم القتل و الاغتصاب و الحرق بحق مواطنيه و يدير اكبر منظومة الإفلات من العقاب عرفها التاريخ! و في المنظومة العدلية التي جري تسيسها حتي ما عادت قادرة و لا راغبة في اقامة العدل و تطبيق القانون!

لو كان السودان في عهد البشير و الاسلامويين يملك جهاز عدالة وقضاء فاعل لتمكن من منع جرائم الحرب قبل وقوعها و لحاسب مرتكبيها و لو بموجب مبدأ "محاكمات نوتنبرج" التي أرست قاعدة دولية.

بل إن احدث التعديلات التي أدخلت 2015م أضافت تعقيدات جديدة و اقحمت بدع قانونية حين أضافت فقرة تجرم الإساءة لشخصية تاريخية "اشار لها التعديل بالاسم"! و نص القانون يجب ان يلتزم بأساس القاعدة القانونية و شرطها و هو العمومية و لا تسن مادة لحالة بعينها أو شخص بذاته.

كما انه ادخل تعديلات اكثر تشدداً علي المواد التي تقيد الحريات الدينية و تنتهك حرية الاعتقاد و الضمير و الايمان ما يعطي الشرطة و النيابة و القاضي سلطة التنقيب في قلوب الناس و يحيل محاكمه لشئ اشبه بمحاكم التفتيش!!

ان الغاء هذا القانون هو ضرورة لا تحتمل التأجيل و لو كان المقابل هو العودة للعمل بقانون 1983م بصورة مرحلية الي حين تشريع قانون جنائي جديد ينقل الممارسة القضائية و العقابية في السودان الي عصر دولة سيادة حكم القانون.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...