ختمت انتفاضة شعب السودان التي انطلقت في 19 ديسمبر اسبوعها الثاني وهذا مؤشر قوي علي ان الوضع اليوم مختلف عما حدث سابقا، التصميم يلاحظ علي جميع المنخرطين في هذا الحراك..
الشعب توحد، و علا فوق كل الفوارق والاختلافات السياسية و الاعتقادات و ازاح كل الحدود الوهمية 'حدود التباين الثقافي والاثني و حدود القبائل..' اصبح جبهة واحدة ضد السلطة القائمة و يضرب باستمرار لافتكاك مصيره من بين براثنها،
بالمقابل السلطة التي بدت متماسكة لنحو تسع وعشرون عاما ونصف العام تبدت فيها اليوم شقوقا وصدوعا شتي،
فهنا صف الاسلامويين الايدولوجيين و صف الذي اشتركوا فيها ضمانا لمصالح شخصية او حزبية ضيقة و قبائلية وجهوية مزعومة!
و هنا صف العسكر الذين لا يمانعون اعادة السلطة للشعب و صف المدنيين الذين يخافون العواقب! ووو فصفوف السلطة متعددة!
قبل اندلاع انتفاضة 19 ديسمبر التي انطلقت شرارتها من عطبرة لم يكن واردا عند البشير و لا اعوانه في قيادة المؤتمر الوطني ان يتم اي تحول في سياساتهم ولم يكن شأن السلطة و انتقالها محل سؤال، كانت عملية تعديل الدستور ليلائم مقاس البشير قد تم تدشينها باجراء شكلي امام البرلمان وتبقت فقط مهلة زمنية؛ اي ان المسألة مجرد مسألة وقت، كما ان اجراءات اقتصادية متعسفة اتخذت منها تحرير سعر صرف الجنيه الضعيف اصلا و تجفيف السوق من السيولة.. الخ و كلها اجراءات تسببت في مضاعفة ازمة المعيشة في مجتمع يعاني معدلات بطالة عالية جدا و ضعف بني هيكل الاقتصاد وتراجع مريع في الانتاج.
لكن اعتبارا من 19 ديسمبر تغيرت الاحوال وانقلبت بدرجة تقارب 180 درجة، لا احد يتحدث اليوم عن تعديل الدستور و لا احد يتحدث عن انتخابات 2020م، مثل هذه الاحاديث في هذا الوقت ستكون بمثابة صب الزيت علي نار الأزمة.
فيما ترسل الحكومة رسائل متناقضة .. ففي خصوص الحالة المعيشية تؤكد السلطة انها لن ترفع دعمها عن السلع الرئيسية ( القمح والوقود ) كما ستوالي دعم واردات الادوية في موازنة العام الجديد 2019م، و في نفس الوقت يخفض البنك المركزي سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في معاملات استيراد الدواء ما ينذر بمضاعفة سعر الادوية بما فيها تلك الضرورية للحياة!
بينما يوالي مسؤولوها الامنيون ارسال رسائل الوعيد بأن قواتهم لن ترخي قبضتها القوية، و البشير يحتمي خلف جنرالاته في الشرطة، و يلمح لهم تلميحا الي ان القتل للحفاظ علي السلطة و ( الامن ) بالتأكيد امن الجماعة الحاكمة عمل مبرر و تدعمه الرئاسة!
الي اليوم ليس هناك شئ اكيد علي الارض لكن علي الورق فان الحراك الذي تداخلت فيه كل الفئات الشعبية والعمرية خرج عن نطاق سيطرة السلطة و قوات امنها و اجهزة ماليتها و اعلامها.. و لن يعود ما لم يتم حسم ملفات مهمة اقلها تدهور الاوضاع الاقتصادية.
الاسبوع الثالث الذي يحل اليوم و تزعم جماعة نقابية معارضة تدشينة بمسيرة الي القصر اسمتها مسيرة 31 ديسمبر، يحمل في ثنايا ايامه الخبر اليقين، هذه المسيرة ربما تكون علامة فارقة ليس فقط لهذا الحراك انما لمستقبل وتاريخ السودان.
اذ ربما يفرض التغيير علي الحكومة و يجبرها علي نقل السلطة، كما يجبر قوي المعارضة التي تدعي الديمقراطية و تتحدث كثير عن التغيير لكنها تتجنب دفع استحقاقاتها والتي اقلها قبول التغيير سواء كان لها او عليها، و الزامها بتجديد دماءها و روحها و جلدها و الخروج من درعها و قوقعتها التي تحتمي فيها منذ عقود تسبق وصول البشير نفسه للحكم!
الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة! تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!! في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...
تعليقات
إرسال تعليق