التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التمويل الاسلامي !

  البنوك مؤسسات حديثة تقوم فكرتها عن انها مؤتمن ضامن لأموال المودعين علي اختلاف انظمة ايداع الاموال ( الحساب الجاري، حساب التوفير، حساب الوديعة.. ) و ذلك مقابل رسوم ادارتها و ائتمانها علي تلك المبالغ، كما انه يقوم باقراض العملاء من الاموال المودعة لديه، بضمانات تجارية ومالية مقابل فائدة تتحدد وفق حسابات اقتصادية دقيقة تحددها البنوك المركزية المسؤولة عن الاشراف علي سوق الخدمات المالية و وفق صيغ حسابية ومعادلات اقتصادية مصطلح عليها. هذا وفق النظام البنكي -الصيرفي التقليدي السائد في كل اقطار الدنيا، و الذي تتبناه الانظمة الاقتصادية ذات التوجه الراسمالي او ذات النزوع الاشتراكي المتفاوت بين يسار الوسط او اليسار البعيد ( الشيوعي ). لكن و منذ منتصف سبعينات القرن الماضي بدأ يبرز صنف جديد من البنوك في بعض اقطار المسلمين و قد بدأ في الخليج تحديدا ( امارة دبي ) و الذي سمي بالبنوك ( الاسلامية ) وهي تسمية او توصيف غير دقيق وغير موفق ابتدأ و مخالف للقوانين التجارية ( قوانين الشركات واسماء الاعمال ) الذي يحظر توظيف الاديان واستغلال اسماءها او رموزها في العمل التجاري.. كما انه غير موفق لجهة انه تمييز بغير ضرورة اذ لا وجود من قبلها لبنوك ( يهودية ) او بنوك ( مسيحية ) او بنوك ( هندوسية ) او بنوك ( بوذية ) !! هذا الصنف من البنوك المسماة اسلامية لها غرض سياسي ايضا وليست دينية صرفة، فهي تم  التأطير لها والتنظير في دهاليز و اروقة حركات الاسلام السياسي وعلي رأسها جماعة الأخوان المسلمين، وقد كان ذلك علي ايام الرباط غير المقدس الذي جمع تلك الحركات مع كل انظمة دول الخليج العربي مستفيدين في سعيهم وتنزيرهم لفكرة البنوك ( الاسلامية ) من الفوائد المالية الكبيرة التي تحققت لتلك البلدان ابان حقب الطفرة النفطية.. هذه الفوائض مكنت من اقناع بنوك عالمية وبيوت تمويل دولية ذات سمعة ممتازة في المعاملات البنكية ( منها باركليز و غولدمان و مورغان ستانلي ) من تبني هذه الصيغ وادخالها في تعاملاتها )! للحصول علي عملاء اثرياء من دول الخليج الاسلامية! كما مكنت من اغراء جامعات و كليات ومعاهد ادارة الاعمال والاقتصاد ( من بينها هارفارد ) من ادخال ( التمويل والصيرفة الاسلامية ) ضمن مناهجها الدراسية و بعضها افرد له كورسات مستقلة! اعتمدت فكرة تلك البنوك علي قاعدة دينية جوهرية و هي القاعدة التي تحرم الربا ( و هي صيغة معاملة مالية كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية -وفي مناطق اخري من العالم- قبل الاسلام، اي في القرن السادس الميلادي؛ و تقوم علي ان يفرض مقرض المال زيادة ثابتة كربح عن فترة الدين تتكرر تلك الزيادة عن كل فترة اخري ان عجز المقترض عن الوفاء بسداد ما عليه ).. ثم علي افتراض ان سعر الفائدة الذي تقرره النظم البنكية -البنوك المركزية والصناديق المالية- هي عين الربا الذي حرمه الاسلام! ثم من بعد، اعتمدت صيغ تمويل سادت في شبه الجزيرة العربية في حقب ما بعد ظهور الاسلام او ماقبل ظهوره و اجازها! من تلك الصيغ: - السلم؛ وهو من انواع البيوع، وبيع شديد الشبه بالبيوع التي حرمها الاسلام ايضا. ويعرف بأنه بيع عاجل بآجل من المثليات مع تحديد دقيق للنوع والصنف والجودة..الخ، فهو يشابه بيع المنعدم ( غير الموجود ) و اجيز اذا كانت السلعة يغلب الظن توفرها وقت التسليم! وفيها يبيع الشخص محصول الزراعي من الحبوب مثلا قبل الحصاد بمقابل يقبضه فورا، اي ان السعر يتحدد وقت السداد وليس وقت التسليم! و هذه الصيغة بعد اعتمادها كصيغة بنكية ( اسلامية ) تحول البنك لمشتري يقدم التمويل في شكل مقابل لسلعة. - المرابحة؛ و هذه الصيغة تشترط ان يبلغ البائع المشتري بالسعر الذي حصل به علي السلعة و الربح الذي يضعه مقابل بيعها له، و فيها كصيغة بنكية ( اسلامية ) يتأجل السداد علي المشتري للبائع ( البنك )! - المضاربة، وهو عقد تمويل بغرض الاتجار وفيه يشارك البنك بالتمويل ويشارك في الربح ولا يشارك في الخسارة! - المشاركة، و هو عقد شراكة في نشاط اقتصادي، يدخل فيه البنك بسهم محدد في رأس المال فيما يقوم الطرف الثاني بالمساهمة في رأس المال والقيام بالعمل! اضافة للخدمات المالية المتعارف عليها في النظام التقليدي ( فتح الحسابات بمختلف انواعها واصدار دفاتر الشيكات والشيك المصرفي و خطابات الاعتماد.. الخ ). لكن ما يهم هو صيغ التمويل ( الاسلامية ) والتي تعتبر بالجملة مخالفة لنظم و وظيفة البنوك، اذ يفترض ان يقتصر دورها علي التمويل دون ان تصبح جزء من المعاملات التجارية و جزء من السوق التجاري و منافس في النشاط الاقتصادي لرجال الاعمال! فالبنك يشترط فيه الحياد لأنه مطلع بحكم مركزه علي مجمل الاسرار المالية لكل عملائه و يجب ان يبقي علي تلك الاسرار و لا يوظفها لحسابه و لمنفعته بموجب قاعدتي السرية المصرفية و منع تضارب المصالح. و للأسف يعد السودان نموذج مثالي لدراسة اثر البنوك والتمويل ( الاسلامي ) اذ نشطت فيه لنحو اربعين سنة و تسببت في التشوهات الاقتصادية و المالية الراهنة، و قادت لبروز صيغ تمويل تجارية موازية ( خارج المصارف ) و تلك صيغ تفوق ربا الجاهلية ( الذي يفترض ان تلك البنوك -الاسلامية- تأسست لابطاله )! فداحة و غبن كبيع الكسر والشيل و هذه بيوع صورية او غير اقتصادية الغرض منها الحصول علي سيولة و تمويل حتي وان كان فرق السعر والمقابل متفاوتين تفاوت فاحش.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...