التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقاربات اخوان السودان في ادارة الشأن الاقتصادي

  الاسلامويين الحاكمين للسودان اداروا الشأن الاقتصادي لثلاثين سنة بمقاربة خاصة مؤداها اخراج الرفاهية من معادلة السوق لتكون المقاربة هي تحقيق الوفرة ومكافحة الندرة عبر الغلاء .. 
  طبعا الوفره التي تحققت خلال ثلاثين سنة كانت وفرة نسبية بسبب ضعف الطلب و التقشف الذي اصبح اسلوب حياة لكل الأسر ولكل مواطن، البعض انخدع بهذه المقاربة خصوصا ايام تدفق بترول الجنوب و السلام 'تدفق اموال استثمار واموال منظمات وجيوش دولية وغسيل اموال..'، معظمنا ظن ان ايام الشدة قد ولت الي غير رجعة لكن اعتبارا من 2012م اطلت الشدة بوجهها الكالح مجددا..  
  اليوم ما عادت مقاربة مكافحة الندرة بالغلاء تجدي، فالاسعار ضربت ارقام قياسية و سعر العملة انهار امام العملات الاجنبية من الدولار الي النكفة الاريترية؛ هنا تفتقت عبقرية الاسلامويين عن مقاربة جديدة تقتضي خلق ندرة في النقود لايقاف تصاعد الاسعار و كبح التضخم الذي وصل مرحلة الانفلات..  
  هذه المقاربة الجديدة قابلتها ردة فعل دفاعية طبيعية من المواطن عبر تجنب البنوك التجارية ومع العلم ان حجم الكتلة النقدية بالبنوك قبل سياسة ندرة النقود 'تحجيم السيولة وامتصاص الكتلة النقدية' كانت اقل من 30% من جملة النقود المتداولة، والسياسة النقدية 'الغبية' قلصتها الي اقل من 15% و ردة الفعل هذه ادت الي ان يتواصل التضخم و يتوالي انهيار العملة ليقترب الدولار من حاجز ال 60 جنيه و يتجاوزه في التعاملات الورقية 'السداد البنكي' بعد ان كان اقل من 18 جنيها عند بداية العام! ان فشل مقاربة الوفرة والغلاء هو حائط الختام الذي تجد عبقرية الاسلامويين وجهها له! فهل يسعفها الوقت ويسمح لها بعودة ثانية!    
  عنصر آخر من مقاربة الاسلاميين في ادارة الاقتصاد هو زيادة قوائم المنتفعين من السلطة و ذلك عبر زيادة قوة الأمن و المليشيات و جيوش الموظفين و القطاع الخاص المقرب عبر المحاباة في العطاءات والتعاقدات.. الخ. ليتم انفاق مبالغ طائلة علي احتياجات وملذات و كماليات اعداد مهولة واهدار اموال مقدرة علي سلوكيات استهلاكية للفئات الصاعدة علي اكتاف الاقتصاد المتداعي..   وبدلا عن الانفاق علي مشاريع تنمية طويلة او متوسطة الاجل يعود نفعها علي الجميع بنسب توزيع عادلة فان مقاربة الاسلامويين تقتضي الانفاق علي نسبة اقل موزعة بنسب معروفة وسط كل الفئات الشعبية للتوالي الدفاع عن النظام عبر الدفاع عن مصالحها الذاتية ومنافعها الشخصية،   نجحت هذه المقاربة في تثبيت اركان السلطة خلال العقود الثلاثة الماضية، بل و ذهبت اكثر من ذلك اذ نجحت في خداع الكثيرين ممن ظنوا ان المظاهر الاستهلاكية والبذخ الرائج وسط اعداد مقدرة و مظاهر العمران 'خصوصا الاحياء السكنية و البيوت الفارهة والسيارات الحديثة..' مؤشر نجاح اقتصادي، فيما هو في الواقع دليل هدر و اختلال اقتصادي!    
  بل وانخدع حتي الذين يكابدون شظف المعيشة و بؤس الواقع و يختبرون تدني مؤشرات الاقتصاد وضعف النمو لكنهم يصدقون اعينهم التي تبدي لهم مظاهر النعمة المحصورة في القطاع الصغير 'و ان كان اكبر من المألوف و الضروري لتسيير الحكومات'! فاصبح المواطن يلوم نفسه علي بؤس حاله لأنه يري غيره يرفل في النعيم فيظن ان التقصير منه وحده وليس من سياسات الحكومة و تنطلي عليه خدعة السلطة و حيلتها!! 
  اما اليوم فإن هذه المقاربة لن تجدي لأن الخزائن نضبت و الموارد الشحيحة اصلا استنفدت بالكامل، فمن اين تنفق السلطة علي رغبات المدافعين عنها تلكم الرغبات التي اصبحت غولا لا يشبع ولا يرعوي؟! ان صرف الحكومات علي التنمية هو وظيفتها القانونية و مبرر وجودها وشرعية بقاءها، وتلك المشاريع رغم قلة عوائدها 'نسبة لعدالة واتساع معايير توزيعها وقسمتها' وتباعد الآجال بين فترات جني فوائدها وارباحها؛ برغم ذلك فهي الأسلوب الاقوم لأنه يعني منافع مستدامة و موارد متجددة و نامية، فيما مقاربة الصرف علي المقربين لتصبح السلطة ولية النعم عمن ترضي عنه و محاربة ارزاق؛ لمن يغضبها، فهذا الاسلوب يؤدي و لو بعد حين الا نهاية محتومة كهذه التي يجابهها اسلاميو السودان وتكابدها سلطتهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...