يعتبر مبدأ حكم القانون Rule Of Law من المبادئ حديثة التطور. و تعد اليوم من المعايير التي يقاس بها استقرار الأنظمة و مدي تطور الدول.. وهو تطور لمبدأ المساواة امام القانون و مبدأ فصل السلطات و استقلال القضاء و مبدأ سمو اعمال البرلمان.. الخ،
و يمكن اختصار مؤدي ومضمون مبدأ حكم القانون في ( الالتزام الصارم للحكومة بكافة مؤسساتها و اجهزتها بمنصوص القوانين،
تلك القوانين يجب ان تكون بدورها مستقرة و منشورة ومتاحة -في متناول المواطن العادي- و متسقة مع مبادئ احترام حقوق الانسان و مبادي القانون الدولي عامة و متضمنة كفالة استقلال القضاء و حق المحاكمة العادلة، وان يتساوي الجميع بنظر القانون وامام القضاء دون تمييز لا ضرورة له، وان تكون الكلمة الفصل دوما للقانون لا لمن يطبقونه بمعني جعل السلطة التقديرية للقضاة و الموظفين العموميين محصورة في اضيق نطاق ممكن ). تاريخيا نصت الدساتير السودانية المتعاقبة و علي اختلاف الأنظمة الحاكمة علي جملة المبادئ الدستورية المتعارف عليها دوليا ( فصل السلطات، استقلال القضاء، المساواة امام القانون ) اذ لم يكن مبدأ سيادة حكم القانون قد تبلور حينها بالشكل المتعارف عليه حاليا؛ كما تفاوت التزامها بهذا المبدأ من حقبة الي اخري، و من حالة الي حالة.
اما اعتبارا من 1989م أي تاريخ قيام الوضع السياسي الحالي، فلم يختلف الأمر من حيث النص المكتوب، اذ كل الدساتير ابتداءا من المراسيم الدستورية الي دستور 1998م ثم الدستور الانتقالي 2005م والتعديلات التي ادخلت عليه لاحقا ( 2011 و 2016 ) نصت علي تلك المبادئ، لكنها ادخلت ايضا مبادئ ونصوص اخري تجعل منها مجرد حبر علي ورق، كالنصوص التي تجعل الشريعة الاسلامية بمدارسها الفقهية المتعددة والمتعارضة مصدرا رئيسا للتشريع، فهذا النص مثلا يعد قيدا علي سلطة البرلمان في التشريع و علي السيادة الشعبية ذاتها!
هذا علاوة علي ان النصوص التي تمنح الرئيس صلاحيات مطلقة للتدخل في عمل كل السلطات يهدم مفهوم فصل السلطات واستقلال القضاء.. ان نصوص ما سمي ب ( الدستور الاسلامي ) كانت المعاول التي مهدت للتجربة القانونية والسياسية والادارية الماثلة، و هي التي اتخذت مسوغ لاهدار حق المواطنة لغير المسلمين اولا ثم للجميع لاحقا. و عمليا بالنظر في حال الاجهزة المناط بها ادارة العملية الحقوقية و ارساء دعائم دولة حكم القانون ( المحاكم والنيابة العامة- المحاماة- الشرطة )، فحكم القانون في السودان لا وجود له اطلاقا و لا قيمة ولا اعتبار للمبدأ عند منسوبي تلك الاجهزة من اعلي سلمها الي اسفله!
فالقضاء، ( قضي عليه تماما ) كما جاء علي لسان عراب النظام الدكتور الترابي في لقاء ( الكلمة الاخيرة ) شاهد علي العصر لتلفزيون الجزيرة، القضاء تم تسيسه تماما، افرغ هيكله ممن يعرفون قيمة العدل ومعني حكم القانون، و تم ملأه بالفاقد المهني و كثيرون ممن مروا عبر بوابات الولاء و القرابات و المحسوبيات، صحيح ان هناك قلة مؤهلة وصلت بكفاءتها لكنها سرعان ما تكتشف ان الكفاءة والمعرفة بلا فائدة هنا و ان الامور تدار بمعايير اخري بعيدة كل البعد، لذا فان البقاء في هذه الاجهزة بعد ذلك الاكتشاف يعد تواطؤ و خيانة للعدالة.
السلطة القضائية منذ 1989م آخذه في التحول الي جهاز بروقراطي عادي ( جهاز وظيفة مكتبية) غارق في التفاصيل الهامشية و الشكلية و يتحاشي مس مضامين تحقيق العدالة.
كما انه تواطأ في نهج ابتداع المحاكم الخاصة؛ من محاكم الضرائب والجمارك و الاتصالات ( شركة سوداتل ) وامن الدولة و المال العام والنشر الصحفي .. الخ ما يحول القاضي الي مجرد عامل ( و حارس/غفير ) لدي تلك المؤسسات!
بينما النيابة العامة حالها اسوء، فالنائب العام في السودان جهاز مستحدث لم تتجاوز سنين عمله العقود الخمس، وخلال تلك السنوات و بسبب الحالة السياسية لم يتمكن الجهاز من ارساء قواعد عمل و لا بناء صورة تتواءم مع غرض تأسيسه، فالنيابة العامة لسنوات ظلت تراوح بين جهاز قانوني مستقل له سلطات شبه قضائية الي مجرد مستشار للسلطة القمعية مهمته توفير غطاء قانوني و الدفاع عن انتهاكات الحهاز التنفيذي! و كذلك تنتشر النيابات الخاصة لتقضي بدورها علي اخر بصيص امل لسيادة القانون واستقلالية مؤسسات العدالة.
بينما تمثل المحاماة الخرق العظيم في جدار العدالة و حكم القانون في هذه الحقبة ( 1989-2019م ) وذلك لأسباب عديدة؛ منها ان المحاماة بطبيعتها مهنة خاصة وبالتالي يسهل اﻹنتقاص منها خصوصا من قبل أعوان الطغاة والاستبداد، وقد سعت الحكومة لإضعاف المحامين عبر السيطرة علي هيئتهم النقابية اولا، ثم اعتقال وتعذيب المناؤين لها، واغراء اخرين بالاموال والمناصب.. اضافة للمعوقات الاخري المتعلقة باجهزة العدالة التي يقوم المحامون بمباشرة اعمالهم أمامها؛ اذ ما عادت اجهزة تحتكم للقانون في نفسها بل اجهزة يمارس فيها عمل العلاقات العامة لا اكثر!
علاوة علي انهيار القواعد القانونية المتمثل في الإنهيار التشريعي العظيم! فمئات القوانين تصدر كل عام بالتضارب مع سابقاتها بل وتضارب قواعد موادها فيما بين بعضها البعض اذا لا وجود لنظرية و جوهر واحد للنظام القانوني يخلق تماسكه ويمنحه هدفه و سمته ومعناه!
ثم ضعف المعرفة والتعليم والتدريب القانوني والحقوقي ايضا و الذي يؤثر في عمل كل اضلاع العملية القانونية والعدلية، اذ ان عشرات الكليات و المعاهد اسست دون ان يتوفر لها ابسط مقومات وشروط تدريس علم القانون و تأهيل منسوبيه فالمحاضرين والاساتذة غير مؤهلين و المكتبات خاوية من ابسط المضامين و اقل العناوين و ادارتها غير مؤهلة لادارة مقهي ناهيك عن مؤسسة علمية تدرس الحقوق واصولها وفلسفتها! لتخرج عناصر يتم ايهامها بأنها مؤهلة للمحاماة والقضاء و ممارسة سائر اعمال العدالة! كل هذه الاسباب تضافرت لتضع حكم القانون في السودان في وضع محرج و مخجل و لا نحسد عليه.
و يمكن اختصار مؤدي ومضمون مبدأ حكم القانون في ( الالتزام الصارم للحكومة بكافة مؤسساتها و اجهزتها بمنصوص القوانين،
تلك القوانين يجب ان تكون بدورها مستقرة و منشورة ومتاحة -في متناول المواطن العادي- و متسقة مع مبادئ احترام حقوق الانسان و مبادي القانون الدولي عامة و متضمنة كفالة استقلال القضاء و حق المحاكمة العادلة، وان يتساوي الجميع بنظر القانون وامام القضاء دون تمييز لا ضرورة له، وان تكون الكلمة الفصل دوما للقانون لا لمن يطبقونه بمعني جعل السلطة التقديرية للقضاة و الموظفين العموميين محصورة في اضيق نطاق ممكن ). تاريخيا نصت الدساتير السودانية المتعاقبة و علي اختلاف الأنظمة الحاكمة علي جملة المبادئ الدستورية المتعارف عليها دوليا ( فصل السلطات، استقلال القضاء، المساواة امام القانون ) اذ لم يكن مبدأ سيادة حكم القانون قد تبلور حينها بالشكل المتعارف عليه حاليا؛ كما تفاوت التزامها بهذا المبدأ من حقبة الي اخري، و من حالة الي حالة.
اما اعتبارا من 1989م أي تاريخ قيام الوضع السياسي الحالي، فلم يختلف الأمر من حيث النص المكتوب، اذ كل الدساتير ابتداءا من المراسيم الدستورية الي دستور 1998م ثم الدستور الانتقالي 2005م والتعديلات التي ادخلت عليه لاحقا ( 2011 و 2016 ) نصت علي تلك المبادئ، لكنها ادخلت ايضا مبادئ ونصوص اخري تجعل منها مجرد حبر علي ورق، كالنصوص التي تجعل الشريعة الاسلامية بمدارسها الفقهية المتعددة والمتعارضة مصدرا رئيسا للتشريع، فهذا النص مثلا يعد قيدا علي سلطة البرلمان في التشريع و علي السيادة الشعبية ذاتها!
هذا علاوة علي ان النصوص التي تمنح الرئيس صلاحيات مطلقة للتدخل في عمل كل السلطات يهدم مفهوم فصل السلطات واستقلال القضاء.. ان نصوص ما سمي ب ( الدستور الاسلامي ) كانت المعاول التي مهدت للتجربة القانونية والسياسية والادارية الماثلة، و هي التي اتخذت مسوغ لاهدار حق المواطنة لغير المسلمين اولا ثم للجميع لاحقا. و عمليا بالنظر في حال الاجهزة المناط بها ادارة العملية الحقوقية و ارساء دعائم دولة حكم القانون ( المحاكم والنيابة العامة- المحاماة- الشرطة )، فحكم القانون في السودان لا وجود له اطلاقا و لا قيمة ولا اعتبار للمبدأ عند منسوبي تلك الاجهزة من اعلي سلمها الي اسفله!
فالقضاء، ( قضي عليه تماما ) كما جاء علي لسان عراب النظام الدكتور الترابي في لقاء ( الكلمة الاخيرة ) شاهد علي العصر لتلفزيون الجزيرة، القضاء تم تسيسه تماما، افرغ هيكله ممن يعرفون قيمة العدل ومعني حكم القانون، و تم ملأه بالفاقد المهني و كثيرون ممن مروا عبر بوابات الولاء و القرابات و المحسوبيات، صحيح ان هناك قلة مؤهلة وصلت بكفاءتها لكنها سرعان ما تكتشف ان الكفاءة والمعرفة بلا فائدة هنا و ان الامور تدار بمعايير اخري بعيدة كل البعد، لذا فان البقاء في هذه الاجهزة بعد ذلك الاكتشاف يعد تواطؤ و خيانة للعدالة.
السلطة القضائية منذ 1989م آخذه في التحول الي جهاز بروقراطي عادي ( جهاز وظيفة مكتبية) غارق في التفاصيل الهامشية و الشكلية و يتحاشي مس مضامين تحقيق العدالة.
كما انه تواطأ في نهج ابتداع المحاكم الخاصة؛ من محاكم الضرائب والجمارك و الاتصالات ( شركة سوداتل ) وامن الدولة و المال العام والنشر الصحفي .. الخ ما يحول القاضي الي مجرد عامل ( و حارس/غفير ) لدي تلك المؤسسات!
بينما النيابة العامة حالها اسوء، فالنائب العام في السودان جهاز مستحدث لم تتجاوز سنين عمله العقود الخمس، وخلال تلك السنوات و بسبب الحالة السياسية لم يتمكن الجهاز من ارساء قواعد عمل و لا بناء صورة تتواءم مع غرض تأسيسه، فالنيابة العامة لسنوات ظلت تراوح بين جهاز قانوني مستقل له سلطات شبه قضائية الي مجرد مستشار للسلطة القمعية مهمته توفير غطاء قانوني و الدفاع عن انتهاكات الحهاز التنفيذي! و كذلك تنتشر النيابات الخاصة لتقضي بدورها علي اخر بصيص امل لسيادة القانون واستقلالية مؤسسات العدالة.
بينما تمثل المحاماة الخرق العظيم في جدار العدالة و حكم القانون في هذه الحقبة ( 1989-2019م ) وذلك لأسباب عديدة؛ منها ان المحاماة بطبيعتها مهنة خاصة وبالتالي يسهل اﻹنتقاص منها خصوصا من قبل أعوان الطغاة والاستبداد، وقد سعت الحكومة لإضعاف المحامين عبر السيطرة علي هيئتهم النقابية اولا، ثم اعتقال وتعذيب المناؤين لها، واغراء اخرين بالاموال والمناصب.. اضافة للمعوقات الاخري المتعلقة باجهزة العدالة التي يقوم المحامون بمباشرة اعمالهم أمامها؛ اذ ما عادت اجهزة تحتكم للقانون في نفسها بل اجهزة يمارس فيها عمل العلاقات العامة لا اكثر!
علاوة علي انهيار القواعد القانونية المتمثل في الإنهيار التشريعي العظيم! فمئات القوانين تصدر كل عام بالتضارب مع سابقاتها بل وتضارب قواعد موادها فيما بين بعضها البعض اذا لا وجود لنظرية و جوهر واحد للنظام القانوني يخلق تماسكه ويمنحه هدفه و سمته ومعناه!
ثم ضعف المعرفة والتعليم والتدريب القانوني والحقوقي ايضا و الذي يؤثر في عمل كل اضلاع العملية القانونية والعدلية، اذ ان عشرات الكليات و المعاهد اسست دون ان يتوفر لها ابسط مقومات وشروط تدريس علم القانون و تأهيل منسوبيه فالمحاضرين والاساتذة غير مؤهلين و المكتبات خاوية من ابسط المضامين و اقل العناوين و ادارتها غير مؤهلة لادارة مقهي ناهيك عن مؤسسة علمية تدرس الحقوق واصولها وفلسفتها! لتخرج عناصر يتم ايهامها بأنها مؤهلة للمحاماة والقضاء و ممارسة سائر اعمال العدالة! كل هذه الاسباب تضافرت لتضع حكم القانون في السودان في وضع محرج و مخجل و لا نحسد عليه.
تعليقات
إرسال تعليق