في حالة فريدة من نوعها وقعت الحكومة السودانية و المعارضة المدنية والعسكرية بصورة غير متزامنة علي اتفاق اقترحته آلية الوساطة الافريقية ..
وقبل البحث في احتمالات نجاح أو فشل الاتفاق وفي مآلات الوضع السياسي والاجتماعي في البلد، فان التوقيع غير المتزامن 'وقعت الحكومة في مارس بينما وقعت المعارضة والحركات العسكرية في أغسطس من هذا العام 2016م' والذي ربما يمثل سابقة لا مثيل لها في تاريخ المصالحات والاتفاقات السياسية يصلح كمؤشر علي ان العسر الذي تم الوصول به للاتفاق 'والذي هو مجرد خارطة طريق لإتفاق نهائي' سيلازم العملية بل وفي الرأي الراجح سيعصف بها لتعود دورة الحياة السياسية السودانية الي مبتدأها...
ان اتفاق مارس-أغسطس يمكن شرحة باختصار القول في ان الفرقاء السودانيين اتفقوا علي ان يتفقوا!! أي ان يحاولوا البحث عن طريق يتوافقوا به في مقابل ما كانوا يفعلونه سابقا - البحث عن ما يفرق وما يدعم خلافاتهم - واذا بحثنا عن نموذج يقارب هذا الاتفاق في تاريخ السودان 'وهو تاريخ ملئ بالصراع والاتفاقيات المجهضة او المفروضة بالضغوط الدولية والاتفاقات عديمة النفع - اتفاقية الخرطوم /اتفاق الدوحة/اتفاق ابوجا.. الخ' فاننا لانجد لخارطة الطريق شبيها اللهم الا 'اعلان مبادئ الايقاد 1996م' مع فروقات مهمة؛
فاعلان المبادئ احتوي بالفعل علي مبادئ اعانت كثيرا في التوصل لاتفاق السلام الشامل 'ولو بعد حين- في 2005م' من ذلك الدولة الوحدة 'ام نظامين؛علماني في الجنوب و اسلاموي في الشمال، ونظامين مصرفيين وجيشين.. الخ'
صحيح ان الاتفاق كان ثنائي من حيث القوتين السياسيتين الموقعتين عليه لكنه كان يتيح في الفترة الانتقاليى مشاركة هامشية للقةي الاخري و بعد انتخابات 2011م مشاركة حسب النسب..
في المقابل لاتفاق خارطة الطريق طابع شامل 'غير ثنائي' لكن هذه الشمولية هي شمولية شكلية ليس الا؛
لأن الاتفاق يحتوي علي ثنائيات عديدة داخله خاصة في مايتصل بترتيبات السلام والترتيبات الامنية في مناطق النزاع ما يعني ان القوي السياسية بما فيها حزب الصادق المهدي 'الذي قال في اتفاق السلام الشامل مالم يقله مالك في المريسة خاصة في ثنائيتها' لا دخل لها بهذه القضايا، فهي معزولة عن قضايا وقف الحرب وكأنها تدور في وطن آخر غير سوداننا هذا.
هذا علاوة علي ان خارطة الطريق هذه لا تقود الي اي مكان بل تضيف الي متاهة السياسة السودانية مربع مقفول جديد وستظل الالسن تردد مسماها لسنوات لا غير ..
فالاتفاق مفروض كسابقه 'اتفاقية سلام 2005' و هي خارطة بلا معالم واضحة وبلا مقياس رسم و بلا مفتاح خرائط متفق عليه؛ لجهة انها لم تقطع برأي او تأتي بجديد فيما يخص مشكلة السودان المزمنة 'أزمة الحكم' ولم تبين الخارطة التي يمكن عبرها تثبيت سلام دائم ونهائي و ترسيخ دعائم الانتقال الديمقراطي في البلاد 'شخصيا أفضل استخدام مصطلح انتقال ديمقراطي عوض مصطلح تحول؛ فالتحول المجرب قادنا الي لا شئ ايضا، لأن المصطلح لا يدل عليت تغيير جذري وانما تدل فقط علي اجراءات يمكن العدول عنها في أي لحظة' بينما يعني الانتقال انتهاء اوضاع كانت سائد في عهود سابقة وتدشين عهد جديد له قواعده واحكامه التي تمثل قطيعة مع الماضي و تطلع للحظة جديدة وللمستقبل.
تعليقات
إرسال تعليق