التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قائد ثورة الكومبارس في الشمال و دولة "روجر ونتر" في الجنوب.. مناسبات السودان الوطنية الحزينة




في الثلاثين من يونيو المنصرم مرت اعياد ثورة "انقلاب" البشير – الذكري السابعة والعشرون- دون يحس بها احد بمافي ذلك البشير نفسه، ودون احتفالات وبهرج و استعراش للجند والسلاح!!
و في التاسع من يوليو الماضي مرت كذلك الذكري الخامسة لـ "انفصال/ استقلال/ ميلاد" دولة الجنوب من رحم اطول حرب اهلية في التاريخ " 1955-2005م" تخللتها فترات سلام قصير اقرب للهدنة منه للإستقرار، مرت كذلك دون مقدرة علي الابتهاج والاحتفال، وكانت حكومة قائد ثورة الادغال "سلفا كير" قد احتجت بالازمة الاقتصادية التي تضرب الدولة الوليدة كمبرر لعدم الاحتفال هذا العام لكن الواضح للعيان ان السبب الرئيسي هو حالة الفشل المبكر التي عصفت بجمهورية جنوب السودان "برغم مشورة الامريكي روجر ونتر الذي استعانت به كمستشار للدولة" والتي ما خرجت من حرب طاحنة بين القوات الموالية للرئيس والقوات الموالية لنائبه "رياك مشار" حتي عادت بعد اسابيع قليلة لتدور رحاها بشدة اكبر لتحصد ما تبقت من ارواح و تحرق ما سلم من غابات!
في الخرطوم كانت الانقاذ انقلاب حزب مدني لذا يصدق فيه وصف "انقلاب الكومبارس" لأن البشير و الاربعة عشر ضابط الذين ألفوا معه مجلس قيادة الحكم كانوا مجرد واجهة عسكرية احتاج لها حزب الجبهة الاسلامية، ولم يقم العسكر بأي عمل يذكر فحتي الجنود الذين اشركوا في العملية الانقلابية كانوا مدنيين من اعضاء حزب الترابي "الجبهة الاسلامية" ارتدوا اللباس العسكري ليخدعوا الناس "في واحدة من أوسع عمليات انتحال الشخصية"!!
لكن بمرور الوقت و مع تقلبات السياسة نجح الكومبارس في ابعاد كل الابطال الرئيسيين والانفراد بخشبة المسرح وجمهور المشاهدين، فها هو البشير الان حاكم مطلق و دكتاتور فرد يعاونه نائبه الذي أفادته فضيلة الصمت التي يتسم بها ليبقي في المشهد كل هذه السنوات ويتحول الي الرجل الثاني واسع النفوذ!!
و لأنهم كانوا مجرد "كومبارس" فليس للبشير و نائبه اي مشاعر تجاه ليلة الانقلاب/الثورة في الثلاثين من يونيو، وما عادت عيد وطني و عطلة رسمية فللكومبارس يومهم الخاص!!
ثم ان الاوضاع في السودان ايضا تردت لمدي بعيد، والبلد الان علي حافة الافلاس و الانهيار الشامل، ان حالنا ايوم اصبح شبيها بحال الرجل الذي أحس ظلما واقعا عليه فذهب الي السلطات شاكيا وبعد ان عرض شكواه علي كاتب عرائض الحال والذي بدوره كتبها بعد ان اعاد صياغتها وترتيبها ،ومن ثم تلاها علي الشاكي فما كان من الشاكي الا ان بكي بحرقة متسائلا "بالله انا مظلوم قدر دا ؟؟".. فقد افقدتنا الانقاذ القدرة علي تبين الظلم والاجحاف الذي كالته لنا ،، فتعالوا نحاول تبين واكتشاف ما حاق بنا وبوطننا علي يد الانقاذيين و "دولتهم الاسلامية" :
 * اولا ... بسياساتها الرعناء تسببت الانقاذ في إنهيار تام في مناهج وبني التعليم الاساسي والعالي وأصبحت مؤسساته عباره عن خرائب لا تصلح لإخراج انسان سوي ناهيك عن تخريج انسان صالح لقيادة تنمية ، وبعد ذلك تفرغت قيادات الانقاذ لتعيير هذا الجيل من ضحايا سياسات التعليم العام والعالي ؛ بأنه جيل لا يحسن فهم او تكلم الانجليزية ، ولا لغته الام العربية وان خريجي المؤسسات الجامعية لايستطيعون ملء استمارة او كتابة طلب اوخطاب ..
* ثانيا ... بسياساتها ايضا ضيقت الانقاذ فرص العيش الكريم علي السودانيين في كلا القطاعين الخاص والعام ، بل ولحقت بهم حتي خارج حدود الوطن (خصوصا الملاذ والحاضن الخليجي) واحتكرت المصالح الحكومية والاسواق ، ثم عيرتنا بعد ذلك بأننا عطالي وفقراء ومجرد شحاذين !! ...
* ثالثا ... عطلت الانقاذ المصانع وجففت المزارع وخربت المراعي بالحروب التي اشعلتها " ولو ان ماء السماء كان بيدها لأوقفته
* رابعا ... أثقلت علينا بضرائبها وجباياتها ورسومها ورخصها وسائر "إيصالاتها ورسومها العجيبة" حتي بتنا نحن من يتحمل نفقات الدولة ؛ وذلك دون ان يصرف قرش واحد من تلك الاموال علي بند التنمية (تعليم ،صحة،تشغيل،...الخ) بل كلها تصرف علي راحة وسلامة ومباهج أهل السلطة من اصحاب الولاءن فبتنا كأهل الذمة ندفع جزية نظير تواجدنا في دولتنا/ أو دولتهم الاسلامية.
* خامسا ... أطلقت الانقاذ ايادي اهل التمكين في الولايات .. ما قاد الي افقارالاقاليم السودانية حتي اضحت صفصفا تجول فيه الريح ، وتسببت بذلك في تجفيفها تماما من أهلها الذين نزحوا لمدن الوسط و العاصمة ، وتسبب ذلك اللجؤ في حالة التوتر والخلاف بين اهل الهوامش واهل المركز وما تلي ذلك من حروب ومناوشات شنتها حركات حملت السلاح دفاعا ان انسان الهامش .
* سادسا ... لجاءت الانقاذ "الدويلة الاسلامية" لتعزيز الولاءات البدائية علي حساب انماط الولاء الراقي والمتمدن (النقابي/المهني والسياسي الفكري والبرامجي) ، ما أدي الي تزايد النعرات العنصرية ونمو دور القبيلة اثر موجات التأييد و (البيعة) لقيادات المؤتمر الوطني .. مما قاد لحدوث احتكاكات وخلافات حتي بين بطون القبيلة الواحدة والعشيرة الواحدة.
* سابعا .. فككت الانقاذ المؤسسات القومية المهمة (الجيش والشرطة) ، وسعت لتكوين مراكزقوي جديدة (الامن /حرس الحدود/الدفاع الشعبي /الاحتياط المركزي).. ما اصاب تلك المؤسسات بحالة أقرب للشلل واخذت تفقد طابعا القومي غير المسيس الذي يكفله لها الدستور ويحفظ احترامها في نظر الشعب وهيبتها بين سائر المؤسسات.
* ثامنا ... أضعفت الانقاذ الخدمة المدنية ما أدي لحالة من انعدام الثقة الحاد بينها والشعب ولم يعد احد يثق في اجهزة الدولة الادارية والقضائية.
* تاسعا .. أوصلت الانقاذ "الدويلة الاسلامية" أزمة الجنوب الي أقصي مستويات تعقيدها ... وحتي بعد التوقيع علي اتفاق سلام نيفاشا أوهمت الانقاذ الشعب السوداني وصورت له ان فصل الجنوب هو الخيار الامثل الذي يجب السعي له بكل جد و همة ، ما أفقد السودان ثلث موارده (البشرية،والمائية،والغابية ،والحيوانية،والزراعية،والنفطية،والمعدنية...الخ) ، وسنت سنة خطيرة يمكن تحذو حذوها اقاليم ومناطق أخري .
أما في جوبا "عاصمة الجنوب" فان الصبر هو الفضيلة التي أوصلت رجل الادغال "سلفا كير" ليتحول من معاون قائد اطول حرب عصابات في التاريخ الي رجل الدولة الأول!! دولة لا تملك من مقومات الدول شئ يذكر ولا يتوافر لها من ابناءها من يمكن وصفهم بـ"رجال دولة" لا تقتصر مهامهم علي تسيير الامور وانما تأسيس بني الدولة واجهزتها من لاشئ.
لهذا السبب لم يتنبه رجل الادغال ولا مساعدوه الذي تحولوا سريعا الي مناوئين له لم يتنبهوا الي جسامة المهمة وخطورتها فطفقوا يتنافسون علي النفوذ والسلطة حتي انهار كل شئ علي رؤوس الجميع بما فيهم المستشار الاميركي!!
والان كما يترقب الشمال انفصال اقاليم اخري أسوة بالجنوب يترقب المحللون ايضا انفصال اقاليم جنوبية اخري واستقلالها عن سطوة رجل الادغال في جوبا!!
ان وضع حد لهذه الحال الماثلة يتطلب اولا وضع حد لنظام حكم المؤتمر الوطني ، وحل حكومته ودويلتهم المزعومة، فلولا وصول حزب الجبهة الاسلامية للسلطة في الخرطوم عام 1989م و تمكن البشير/ الكومبارس من وضع يده علي كل السلطات لما انفصلت اريتريا و انهارت الصومال ثم وردت الخرطوم ذات المورد و ذاقت مرارة كأس الانفاصال في الجنوب، فالسودان دولة مركزية في هذا الاقليم الذي يمتد من مقديشو الي نواكشوط ويمكن ان نسميه "السودان الكبير" وفي عهد دولة الكومبارس تخلي السودان عن دوره البنّاء وطفق ينتهج سياسات مدمرة في الخرطوم وما حولها من عواصم ، فاسقاط حكم البشير وتكوين حكومة انقاذ حقيقي تتألف من ابناء السودان المعروف عنهم الوطنية والكفاءة والحيادية والنزاهة والقومية وذلك من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية الحديثة في السودان ، وتمهيد الطريق امام عملية انتقال ديمقراطي يكفل الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني للخرطوم و ما يجاورها .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...