قد يجد المرء حرجا بالغا في اعلان تأييده لانقلاب عسكري علي سلطة منتخبة، وقد يكون لذلك الفعل طعم تجرع دواء مر لكن المهم يبقي هو ان ما تجرعه هو دواء شافي وليس السم المميت.
وهذا ينطبق علي حركة الفصيل من الجيش التركي الذي اقدم في وقت مبكر من مساء الخامس
عشر من يوليو الماضي؛علي خطوة للإطاحة بسلطة اردوغان و وضع حد لنفوذه ونفوذ حزبه الحاكم
بسحر "بروباغندا" الاسلام السياسي، وان كان الامر يبدو للبعض ببساطة الانحياز للخير او الشر في مسلسل دراما تركية..
ان ما حدث و ماهو حاصل من قبل ومن بعد في تركيا ليس بالبساطة التي يظنها ويتعامل بها اصحاب طريقة اما مع او ضد.. ثمة جملة من المسلمات يعتمدونها وهي ليست صحيحة بل خاطئة بالمطلق منها :
اولا،، الاعتقاد بان الحكم في تركيا هو حكم ديمقراطي وهذا الاعتقاد هو محض هراء فتركيا
ليس ديمقراطية ولن تصبح ديمقراطية في المستقبل المنظور ولكي تصبح دولة ما ديمقراطية لا بد ان تكون اولا علمانية و علمانية تركيا محل شك فهي فرضت فرضا بواسطة الدولة الكمالية 'كمال اتاتورك' و لا يزال قسم مقدر من المجتمع التركي يؤمن بمبادئ وقيم الدولة الدينية و لا يمثل حزب العدالة وانصار اردوغان الا الجزء البارز
من كتلة جبل جليد الدولة الدينية،. كما ان النزعة التسلطية للرئيس التركي واضحة وتجلت اكثر في آخر سنوات رئاسته للحكومة و تعاظمت في الاشهر التي قضاها حتي الان في رئاسة الجمهورية والتي يسعي فيها لجمع كل السلطات التنفيذية والنفوذ في يده، مع ان منصب الرئيس في تركيا و بالدستور هو وظيفة سيادية و رمزية ليس الا.
و تمثل اعادة الانتخابات البرلمانية السابقة في تركيا و في غضون اشهر قليلة دليلا علي لا ديمقراطية الدولة و المجتمع التركي،. تلك الانتخابات التي كانت بمثابة استفتاء علي رفض الاتراك لرغبة العدالة في تنصيب اردوغان رئيس بصلاحيات تنفيذية بعد اجراء التعديل الدستوري الضروري لاتمام تلك الخطوة وقد كانت اعادة الانتخابات بعد فشل حزب الرئيس في تشكيل حكومة منفردا او بائتلاف بمثابة عقاب للقوي المعارضة و للشعب علي وقوفه في وجه طموح اردوغان
و تمثل اعادة الانتخابات البرلمانية السابقة في تركيا و في غضون اشهر قليلة دليلا علي لا ديمقراطية الدولة و المجتمع التركي،. تلك الانتخابات التي كانت بمثابة استفتاء علي رفض الاتراك لرغبة العدالة في تنصيب اردوغان رئيس بصلاحيات تنفيذية بعد اجراء التعديل الدستوري الضروري لاتمام تلك الخطوة وقد كانت اعادة الانتخابات بعد فشل حزب الرئيس في تشكيل حكومة منفردا او بائتلاف بمثابة عقاب للقوي المعارضة و للشعب علي وقوفه في وجه طموح اردوغان
ثانيا، لديهم اعتقاد بان الانقلاب هو استخدام القوة العسكرية للاطاحة المادية بالاشخاص الحاكمين، مع
كون الانقلاب ليس بالضرورة عملا عسكريا بل سياسيا، و قد نفذ اردوغان منذ انتخابه لأول مرة كرئيس للوزارة عدة انقلابات علي القيم الديمقراطية فهو يدأب باستمرار علي السيطرة علي الساحة الاعلامية والصحفية و حتي وسائط التواصل الاجتماعي و يلاحق الفنانيين و المثقفين بتهمة 'اهانة الرئيس' بمجرد ان يوجه اليه احدهم اي نقد كما يلاحق الاكاديميين الذين يبدون ادني معارضة لسلطته التي يسعي لجعلها مطلقة! بل ولم يسلم منه حتي الصحفيين
والمبدعين الاجانب فهو يلاحق بعضهم امام القضاء في بلدانهم التي يعيشون فيها!!
و يقود حملة منظمة لابعاد غير الموالين له من المناصب العامة في الجيش والقضاء والشرطة
و الخدمة المدنية ممن يجرؤون علي قول لا في وجهه او يلاحقونه او افراد اسرته بتهم تجاوزات مالية و فساد!
ثالثا، يظنون ان الديمقراطية هي فقط انتخابات وتصويت مع ان الانتخابات ليست الا جزء ضئيل و ختامي من سلسلة طويلة من القيم والاجراءات
اهمها ضمان حقوق الانسان وكفالة حرياته كافة و حقوق الاقليات وحكم المؤسسات، ولو
كان الامر مجرد تصويت وشعبية لأمكن ان يزعم خليفة داعش البغدادي انه ديمقراطي بمجرد اجراء تصويت
و لقلنا ان هتلر 'و اردوغان لا يخفي اعجابه بالزعيم النازي الذي لم يسعي لابادة اليهود وحدهم بل اباد اضعافهم من الغجر و اضطهد الالمان وازاقهم ويلات حكمه' انه رئيس ديمقراطي اذ انه منتخب ايضا. ..فاردوغان ليس رئيس ديمقراطي بقدر كونه
دكتاتور منتخب و يتمتع بشعبية، وقد حرص علي ان يتم انتخابه من الشعب(كان الرئيس
التركي ينتخب في السابق من قبل نواب البرلمان) حتي يبرر افعاله الحالية، وحتي
يتمكن من نقل سلطات رئيس الوزراء اليه ليصبح الرئيس هو الحاكم بينما يتحول رئيس
الوزراء الي مجرد سكرتير للرئيس، فيما يقرر دستور تركيا الحالي ان الرئيس هو رمز
للدولة وليس له شأن بالسياسة!!
رابعا، يعتقدون ايضا ان الدكتاتور هو من يرتدي بزة عسكرية و ينتمي للجيش لكن التاريخ يعلمنا في دروسه القاسية التي نفضل نسيانها ان اخطر و افظع الدكتاتوريين كانوا ساسة مدنيين و رؤساء احزاب
تماما كرجب طيب اردوغان .. فهتلر الذي سبق واشرنا الي كونه منتخب هو سياسي مدني وفلاديمير لينين وجوزيف ستالين و وبقية قادة الاتحاد السوفيتي 'امبراطورية الستار الحديدي' كذلك مدنيين، و
ماو تسي تونغ مؤسس الحزب الشيوعي الصيني وعراب الثورة الثقافية مدني كذلك؛ و
صدام حسين ايضا و الجار بشار الاسد كذلك من المدنيين ..!
خامسا،
يري البعض "الاسلاميون تحديدا" ان حكم حزب اردوغان "العدالة
والتنمية" هو بمثابة حكم الدين و "اقامة حدوده وشعائره" وبالتالي
فان دعمه هو واجب علي كل المسلمين!! كل ذلك لأن اردوغان يبدأ خطبه و خطاباته بـ
إسم الله، و يحشوه بالتكبيرات، ويستشهد بالايات القرآنية والاحاديث احيانا، ويدعم
غزة المحاصرة ويقرب قادة حماس، و لا بأس في كونه يوالي ويحالف "الكفار" –
تركيا عضو في حلف الناتو العسكري الذي تتولي كبره الولايات المتحدة الاميركية !!-
ولديه علاقات مع اسرائيل ليست طبيعية فقط وانما حميمة، كل ذلك لا ضير منه!!
والانقلاب كشف ان تركيا ليست خلافة اسلامية وانما هي جماع ائتلاف بين القوميين
الاتراك و الاسلام السياسي التركي الذي يمثل اردوغان فصيل منه "الاسلام
السياسي" بينما يمثل الانقلابيون جناحه الآخر "جماعة الداعية فتح الله
غولن"، وان الدماء العرقية التي تجري في شرايين اردوغان تطغي علي عاطفته
الاسلامية بلا شك.
اخيرا،
يعتقد البعض بان اردوغان هو بمثابة باني نهضة تركيا الحديثة، وهذا شطط ولا ريب،
صحيح ان هناك تحسن في مؤشرات اداء الاقتصاد التركي.. لكن هذا لا يعني ان الفضل
يعود فيه لحكم اردوغان انما يعود بالاساس للاستقرار السياسي الذي شهدته تركيا في
العقد ونصف التي انصرمت سنواتها، و يأتي الانقلاب كتذكير بان تركيا لا تزال هشة
سياسيا وانها تظل دولة من دول العالم الثالث، فيها تمردات اثنية "حزب العمال
الكوردستاني"، ويمكن ان يحدث في انقلاب في اي لحظة. فذلك الاستقرار والتحسن
يعود الفضل فيه لأداء المؤسسات مجتمعة والقوي المدنية والسياسية و ليس لشخص
الرئيس، فتركيا لاتزال مدينة لباني نهضتها الوحيد "كمال اتاتورك" والذي
بناها كيفما اتفق له!
ثمة تصديق لفرية ان الشعب التركي اسقط الانقلاب وفعل ذلك استجابة لمكالمة الرئيس التي اجراها مع قناة خاصة.. وهذا مجرد توهم فالانقلاب اسقطه الجيش نفسه اذ ان معارضة رئيس الاركان وقائد الجيش الاول كانت فعالة في الفت من عضد الانقلابيين وثمة معارك جوية وارضية دارت و حالت بينهم وبين اتمام عملية الاستيلاء علي
المقار الاستراتيجية و التحفظ علي الشخصيات الحكومية تمهيدا للانتقال لمرحلة اعلان السياسة الجديدة و تقديم مبررات الخطوة سياسيا و قانونيا !
ثم ثالثة اسافي ديمقراطية تركيا "المزعومة" هي حملة اردوغان الانتقامية والمسعورة التي شنها بعد انتهاء المحاولة
مباشرة؛ فاعوانه اعملوا سياطهم و شومهم في جنود الجيش المستسلمين والذين هم مواطني دولة ديمقراطية و ليسوا اسري حرب ومع ذلك تعرضوا لسحل وقتل و اذلال في احسن الاحوال.
كما هناك حملة اعتقالات طالت حتي الأن ثلاثة عشر الف عسكري وتم تسريح اضعاف هذا الرقم خصوصا في جهاز الشرطة، هذا عدا عن التصفية التي طالت وتطال القضاء و النائب العام و جهاز الادارة العليا، والمدارس و الجامعات و وكالات الاعلام و الصحف والقنوات..الخ،
كما هناك حملة اعتقالات طالت حتي الأن ثلاثة عشر الف عسكري وتم تسريح اضعاف هذا الرقم خصوصا في جهاز الشرطة، هذا عدا عن التصفية التي طالت وتطال القضاء و النائب العام و جهاز الادارة العليا، والمدارس و الجامعات و وكالات الاعلام و الصحف والقنوات..الخ،
ان
اردوغان يتعمد تسعير المد الشعبوي فقد دعا جمهوره للبقاء في الشوارع لمدة اسبوع
بعد الانقلاب، ليس لحماية الديمقراطية وانما لإشاعة الحالة الشعبوية والفوضوية حتي
يتمكن من تمرير كل اجندته في هذا الظرف المواتي دون أي معارضة داخلية، فتم اعلان
الطوارئ، والشروع في هيكلة الجيش وتقوية قبضة يد الرئيس عليه، و التلويح بالعودة
لتطبيق عقوبة الاعدام الذي تخلت عنه تركيا منذ عقود، و وصل الامر الي درجة اعلان
ان موتي الانقلابيين هم كفار لن يدفنوا في مقابر المسلمين!! و انما في مقبرة جديدة
اطلق عليها الرئيس تسمية "مقبرة الخونة"!! كل هذا بمثابة تمهيد لتعديل
الدستور و اعلان الرئيس حاكما فعليا بقوة الدستور (ما يقوم به حتي الان مجرد
استخدام لنفوذه الشعبي وعلي اعضاء حزبه!!)
وحتي
الذين ابدوا ملاحظات من الخارج علي التجاوزات التي ترتكب بذريعة حماية الديمقراطية
ردت عليهم الحكومة التركية بعنف ولهجة حادة، فالرئيس و وزير خارجيته تناوبوا في
الهجوم علي دول اجنبية انتقدت تدابير تركيا، اذ يقول وزير الخارجية ان انتقاد تلك
التدابير بمثابة تأييد الانقلاب!!، فاردوغان الذي بدأ قبيل الانقلاب في الانقلاب
بنفسه علي سياسته الخارجية "اعادة توثيق عرى العلائق مع روسيا و
اسرائيل" سيكملها الان بالمصالحة مع سوريا، بالتزامن مع انقلاب داخلي؛ فكل
من لا يثق فيه اردوغان سيدفع ثمن الصراع بين كيانه و 'الكيان الموازي' أي الازمة داخل البيت السياسي-الديني الواحد!!
تعليقات
إرسال تعليق