التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الإقتصـاد والبنـوك الإســلامـ/أخــوانية

  نظرية الاقتصاد والبنوك الاسلامية وكذا شركات التأمين هي احدي اطروحات جماعة الاخوان المسلمين وسائر  الحركات الاسلامية التي لقت رواج كبير ودعم اكبر دون ان تجد بالمقابل حقها من الدراسة النظرية التي تواكب نشأتها أو التي تتابع مسيرتها لتمحصها وتختبر مدي مصداقيها العلمية النظرية والاخلاقية..
  بدأ الإسلاميون البحث عن دولتهم المنشودة والمتخيلة فلم يجدوا لها ما يميزها عن نظريات الدولة الحديثة السائدة؛ فركنوا فقط لتمييزها بصفة "الإسلامية" التي قرونها في مؤخرة كل مصطلح أو مسمي معاصر فكانت (الدولة الاسلامية، الاقتصاد الإسلامي، البنوك الإسلامية، الدستور الإسلامي..الخ)،
  السؤال هو: هل للإقتصاد في الديانة الاسلامية أو المجتمع المسلم سمات محددة مختلفة تجعل منه فرع مستقل وقائم بذاته ؟ عند اكتمال نزول الوحي لم يكن الاقتصاد كعلم قد تشكل بعد، كما لم تكن الدولة الحديثة التي تحوي حياة مجتمعات وطبقات مختلفة ذات انشطة متباينة.. قد ظهرت للوجود، فما كان معروف حينها هو المجتمع ذي الأنشطة البسيطة لذا وجدت قواعد مبسطة تحكم المعاملات التجارية "البيوع".
 ان الذين نظّروا للإقتصاد "الإسلامي" لم يجهدوا انفسهم لتقديم عمل متكامل يجعل من الإقتصاد "الإسلامي" فرعا جديرا بالدراسة أو التأمل، فقد نظّر له "الاقتصاد/الإسلامي" بعض الاقتصاديين الذين درسوا الاقتصاد علي النسق الحديث/الغربي، ولكونهم ينتسبون للأخوان المسلمين تحديدا طفقوا يحدثوا الناس عن اقتصادهم "الاسلامي" المزعوم وصادف ذلك الحديث هوي لدي جماعات في الدول "الاسلامية" الثرية بفعل طفرات النفط فتم تمويل هذا الاجتهاد الفطير فرأي النور بقوة المادة (المال) وليس قوة المعرفة والعقل والعلم.
  فمنظروا الإقتصاد "الإسلامي" لم يقدموا مقابل لمصطلحات علم الاقتصاد (الناتج القومي، الدخل القومي، الناتج المحلي، دخل الفرد، التضخم، الكساد، الركود، السياسات المالية والنقدية، موازين المدفوعات، الميزان التجاري، العجز، السوق الحر، التخطيط المركزي، املاك الدولة، الملكية الفردية..الخ) حتي يكون لإجتهادهم قيمة!! هم لم يبينوا الاساس الذي يقوم عليه فرع الاقتصاد الاسلامي "كفرع من علم الاقتصاد او نظرية من نظرياته": هل هو قائم علي مبدأ ان المال "مال الله" والدولة مستخلفة فيه!! ام انه "مال المسلمين" والدولة نائبة عنهم؟؟ وهل ثمة علاقة بين خزائن السماء/ الله وخزائن بنو آدم؟؟ وهل يمكن الاستعاضة عن عن مصطلح الناتج الاجمالي أو دخل الفرد بمفهوم الرزق؟؟ ليتحدث علماء الاقتصاد "الإسلامي" عن الرزق القومي ورزق الفرد؟!! ومتي تتصل العلاقة بين مسائل الارقام الدقيقة وكسورها العشرية بالمسائل الدينية وبين المعرفة العلمية البحتة من جهة والمعارف الايمانية واللدونية والروحانيات، ومتي تنفصل؟؟
   ماقيل عن الاقتصاد "الإسلامي" يصدق ايضا علي البنوك، فتجربة البنوك أو المصارف "الاسلامية" غذتها اموال النفط فجعلت منها حقيقة واقعة بل وتجارة رائجة، وهي تجربة اعتمدت بالاساس علي فرضية ان الفائدة المتعارف عليها في النظام البنكي هي الربا "المحرم والموضوع" وهذا قول لا حظ له من المصداقية لأن للفائدة سعر يتتحدد بواسطة جهات وسلطات تقيس الامور المالية كلها بمعيار دقيق وتحتكم لمعرفة تفصيلية فيما يتصل بصالح العموم في الشأن المالي والاقتصادي، وبحاجة انشطة الصناعة والتجارة والزراعة والتمويل ..الخ ، وهي بالتالي أحكم وأفيد من معيار الربح الذي يحدده البنك "الاسلامي" عند تعامله مع كل عميل علي حدا.
   هذا علاوة علي ان البنوك "الإسلامية" لم تفتي حتي الأن في مسألة القيمة الزمنية للنقود وتأثرها بالتضخم وغيره من المؤثرات..
   مع الأسف ليس هناك رصد دقيق، أو عام حتي؛ لمساهمة وتأثير النوك "الإسلامية" علي الانشطة الاقتصادية والمالية في البلاد التي تبنت هذه التجربة، لكن ملاحظة عامة لتأثيرها معاش وسلوك الناس في السودان (الذي يعد واحد من اقدم الدول التي فرضت هذا النسق البنكي) فأننا نجد ان صيغ التمويل التي تتبعها تلك البنوك من "مرابحة/ مضاربة... الخ" أخرجت البنوك عن كونا ممول الي كونها شريك اصيل في المعاملات أي تاجر وصانع يزاحم الفاعلين الاقتصاديين (الافراد) في معاشهم، ويزيد علي ذلك فيمتلك الشركات المالية- التأمين، ويعمل باستقلال في سائر الاعمال، فالبنك يقاسم العملاء الأن لقمة عيشهم بل وينزعها في غالب الاحيان من أفواه اطفالهم ليلقمها للحيتان الكبيرة ويزج بالزراع والصناع والتجار في غياهب السجون ويصادر أموالهم ، وفي السودان هناك واحد من أسواء القوانين التي تنتهك الحقوق الاقتصادية وهو قانون فرضته او فرض لحماية البنوك "الاسلامية" هو قانون بيع الاموال المرهونة للبنوك 1994م.
  تسببت تلك التجربة السودانية في احجام اغلب الناس عن التعامل مع البنوك ولجأوا الي انماط تمويل وبيوع "شعبية" كـ (الكسر، الملخ، الكتفللي، القل ..الخ) وكلها معاملات تتم بعيدا عن الجهاز الاقتصادي للدولة و لا أحد يعلم أثرها حتي!!
   إن البنك في الوضع العادي (الطبيعي) أو غير "الإسلامي" تحديدا له دور كدور القلب في الجسد : يضخ الدماء للأطراف وينتفع بقدر يسير أي ما يكفيه ليواصل عمله في ضخ الدماء علي الوجه الأمثل، أما في النظرية "الاسلامية" فهو تاجر ومضارب ومحتكر ... الخ ، ما يعرض أطراف العملية الاقتصادية للجفاف وا لضعف والهزال والشلل التام بينما يتضخم القلب/ البنك حد الانفجار.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...