التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المقاومة الاقتصادية

حقيقة تعامينا عنها وتعامي عنها ساستنا زمنا طويلاً ولابد من مجابهتها عاجلاً أو آجلاً ان اردنا احداث اختراق الراهنة، تلك الحقيقة هي أن الانقاذ أو الجبهة الاسلامية حين وصلت للسلطة في 1989م كان ذلك "تحصيل حاصل" وتتويج لمخطط وتآمر قديم ونتيجة منطقية لمقدمات سبقتها بعقود. ان الحكم الحقيقي لحلف الشيوخ والضباط الـ"كيزان" بدأ عملياً حينما سيطر تجار ورأسمالية التنظيم الـ"الترابي" علي مفاصل الاقتصاد والسوق، تلك السيطرة التي بدأت في 1978م بتأسيس الشركات والبنوك الموصوفة زوراً وبهتاناًً وباطلاً بالـ"إسلامية".
 ظلت بعدها قوانا تكافح وتخور في ميادين النضال المسلح والسياسي السلمي حتي اصابها الاعياء لأننا تناسينا ان المقاومة فعل يحتاج الي سند اقتصادي مالي مادي ومحسوس؛ وقبل ذلك تناسينا ان المقاومة فعل وعي، فعل يحدث ويتم اولاً علي مستوي العقول وليس بالعاطفة أو العضلات فقط.. الفعل الواعي يتطلب ان نقارع انتهازية الـ"كيزان" في كل ميادين الحياة و أول تلك الميادين هو ميدان " الأرزاق " أي السوق.. لقد حاربتنا سلطة "حزب البشير" بسيف سياسة الإفقار وقطع الأرزاق ونحن نغفل أو نتغافل عن حكمة شعبية كانت دوماً تحت ناظرينا وهي : " قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق" ولكننا لا نري الا ما هو بعيد وقصي!! فإستسلمنا للسياسة الافقار تلك و ظننا ان بامكاننا تغيير الحال ببنادقنا و ألسنتنا ولم نعلم ان ذلك الواقع البئيس يتطلب ان نغيره بعقولنا اولاً.
 بل كان بعض ساستنا يتاجر بقضايا المفصولين والمشردين والتجار الذين تعرضوا للمحاربة والإفلاس دون ان نقوم بفعل حقيقي نقف به الي جوار كل من أفقر أو اضطهد لا لشئ إلا بسبب عدم اتفاقه في الرأي مع صحابة الشيخ الترابي والجنرال البشير، فاصبحنا مع الأسف الأن في حالة أصبح فيها كل من يعارض حزب البشير موعود بالفقر والعوز والإدقاع العاجل الذي يعجزه عن القيام بأي شئ ناهيك عن القيام  بفعل معارض مجدي.وحتي من لازالوا يملكون بعض المقدرات تجدهم مشتتين وتنقصهم السياسة التي توجه ما بيدهم من امكانات لتصب في خانة التضامن لدعم مجهود المعارضة لإزالة الضيم الذي لحق بالسواد الاعظم من السودانيين. فلماذا لا نجرب الأن نهج المقاومة الإقتصادية والمالية بحيث تستند قوي التغيير الي قوة اجتماعية واقتصادية قادرة علي إزاقة الإنتهازيين و اللصوص وسماسرة الحكم مرارة ذات الكأس التي سقونا منها .. 

أنا هنا أحاول ان ألتقط المبادرة التي اطلقها من مغتربه "اخونا" محمد الفكي سليمان والتي اسماها "دولار التغيير"؛ انما بتحوير طفيف هو ان تتجمع كل كتلة من أصحاب الفكر الديمقراطي ممن تجمعهم ايضاً روابط عمل او صداقة او قرب مكاني، ..الخ ويجهدوا في اقتطاع اليسير من مالهم و وقتهم بغرض إنشاء مشاريع مالية واقتصادية "شركات، شراكات، بنوك..الخ" ونعلم كلنا ان الطريق لن يكون سهلاً خصوصا لمن هم بالداخل لكن نعلم ايضاً ان المقاومة "أي مقاومة" ليست عملاً سهلاً ولا نزهة، كما يجب التركيز والتأكيد علي ان الهدف من المشاريع ليس اسقاط النظام مباشرة بها وانما تقديم نماذج علي قدرتنا علي المبادرة وعلي تأسيس مشاريع اقتصادية ذات رسالة اجتماعية وقادرة علي النجاح والاستمرار بل وتحقيق الربح ايضاً. ثم يأتي دعم الجهد الوطني لإسقاط سلطة حزب البشير تالياً علي لائحة الأولويات.. فهذه المبادرة يمكن ان تخرج الكثير من أسرنا من دائرة الفقر والجوع وتخرج الكثير ايضاً من شبابنا من دوائر البطالة الجهنمية " ولنا في مبادرة شبابنا (المعطلون) امام مكتب الوالي الخضر في الخرطوم عبرة لو كنا نعتبر"..
  فبذا تكون لإرادتنا قوة حقيقية قادرة علي مقارعة قوة الإنتهازيين الذين سقطت أوراق التوت التي كانت تواري سوءاتهم "المشروع الحضاري والبرنامج الرسالي ..الخ" و ما عادت تجمعهم الا المصالح المالية والمادية السافرة وشراكة اللصوص الذين ان اختلفوا بالتأكيد سيظهر المسروق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...