التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كيف ادارت حكومة اثيوبيا ازمة التقراي؟ و كيف ادار "تقراي السودان-الكيزان" أزمتهم مع الشعب السوداني؟!!

 نوفمبر ٢٠٢٣م

التقراي كانوا ممسكين بكل مفاصل الحكومة لأنهم سيطروا مستفيدين من فترة حكم ابن التقراي "ملس زناوي" من ١٩٩١ و حتي ٢٠١١م، و كانت لهم صلات دولية و اقليمية قوية .. التقراي كانوا في مركز قوة افضل من حلفاءهم الآخرين في السلطة الاثيوبية..

علي عكس الدعم السريع و الذي كان مجرد معول في يد الكيزان "تقراي السودان".. و الكيزان كانوا هم المسيطرين علي الجيش و الأمن و القضاء و الخارجية .. الخ و كانت لديهم اختراقات مهمة حتي داخل المليشيا نفسها !!

حكومة اثيوبيا سمت عمليتها "عملية استعادة القانون" و وصفت حكومة التقري بالمتمردة لكن المجتمع الدولي لم يتضامن مع حكومة اثيوبيا و لم يخفي تعاطفه مع التقراي؛ و بعد ان اجتاحت قوات حكومة اثيوبيا عاصمة اقليم التقراي "مقلي" و كل مدن الاقليم تعرضت الحكومة لضغط دولي و ادانات و اتهامات بارتكاب جرائم حرب و ابادة .. الخ فانسحبت حكومة اثيوبيا من كامل الاقليم و نظمت قوات جبهة تقراي صفوفها و انتشرت من جديد في كامل مدن الاقليم و هددت اقليم امهرا و ايضاً العاصمة اديس اببا؛ و ظن المجتمع الدولي (حليف التقراي) ان حلفاءه سيستعيدون السلطة في اثيوبيا مجدداً و ان الحكومة الاثيوبية التي تحولت الي مركز الدفاع قد اصابها الوهن!

لكن من مركز الدفاع تمكنت قوات الحكومة الاثيوبية مجدداً من رد قوات التقراي علي اعقابها و كبدتها خسائر كبيرة.. فاضطرت الاخيرة لقبول الصلح و التفاوض بوساطة جنوب افريقيا..

حتي الأن لا يمكن الزعم بأن الوضع في اثيوبيا استقر لصالح الحكومة لكن و بما ان الحكومة نجحت في قلب الطاولة ثلاث مرات لصالحها (مرتين عسكرياً و مرة دبلوماسياً/و سياسياً) فمن الواضح انها تستطيع فعل ذلك مجدداً و اكثر من مرة و انها في كل مرة كانت تجنح للسلم من مركز قوة و تتراجع تكتيكياً و هي قادرة علي التقدم "لأنها توظف القوة العسكرية لصالح الموقف السياسي و الاخلاقي و ليس العكس".

تشارف ازمة تقراي اثيوبيا علي الانتهاء و باضرار انحصرت في اقليم التقراي الشمالي بعدد سكانه الذي لا يتجاوز ٦% من سكان اثيوبيا نزح اغلبهم الي الداخل الاثيوبي و الي السودان (نحو أربعة مليون لاجئ) و امتدت اضرار الحرب قليلاً في اقاليم امهرا و عفر و الارومو...

بينما تقراي السودان الذين سموا عمليتهم "عملية الكرامة" كانوا في مركز قوة (مادياً) و نجحوا في كسب تعاطف العوام "بحجة محاربة المليشيا" و حتي دولياً كانوا في مركز أفضل بسبب سمعة المليشيا السيئة في دارفور الا انهم لم يتمكنوا من توظيف كل تلك المميزات لصالحهم و تحويلها لمكسب سياسي وطني؛ لأن موقفهم الاخلاقي لم يكن صحيحاً او بلا شرخ (شروخات) .. فسمعة المليشيا و جرائمها تتعداها الي مؤسسات الدولة نفسها بما فيها الجيش (في حد ادني بتهمة التواطؤ و السكوت) و تنظيمها الحاكم ( المؤتمر الوطني) و الذي يحاول عبر الجيش تحقيق نصر يعيده الي الحكم ضد ارادة الشعب و ضد رغبة المحيط الاقليمي و الدولي الذي عاني في السابق من سياسات ذلك الحزب المشتطة حد الجنون!

 كان زمام المبادرة (الجيش و من يختبئِون خلفه) بايديهم و خيار الحرب خيارهم و عنصر المباغتة في صالحهم، مع ذلك لم يستفيدوا من تلك القوة و من بقية العناصر .. بل تراجعوا من الساعة الثانية و خسروا اهم المواقع و المراكز علي الارض و اعلامياً و سياسياً كذلك! 

تسببت حرب تقراي السودان في اضرار شملت ثمانية ولايات من جملة ولايات السودان الثمانية عشرة؛ و لجوء و نزوح نحو سبعة مليون مواطن !! مع قابلية للتمدد الي بقية الولايات كلها ..

و المرحلة التي وصل اليها الصراع تنذر بتفكك معسكر "تقراي السودان" فالتفاوض السياسي سيقود الي عزل الكيزان عن حلفاءهم في الجيش "القومي" و من يساندون جبهة الحكومة في الحرب من الاطياف السياسية و "عوام الناس". 

فتقراي السودان يراهنون علي نصر ابلج يخول لهم الاستمرار في حكم السودان علي شرعية ٣٠ يونيو ١٩٨٩م بينما "شرفاء الجيش و بقية القوي السياسية و عوام الناس يريدون نصر لمبدأ الدولة علي المليشيا و لمبدأ الجيش الواحد النظامي علي مبدأ تعدد الجيوش و القوات غير النظامية التي تأتمر بأمر اشخاص. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...