التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القنوات الخلفية

 في العلوم العسكرية و ادارة المعارك و الحروب .. مهما كبرت تلك الحروب او صغرت .. عالمية كانت او اقليمية او محلية .. تقليدية كانت او غير تقليدية (نووية)؛ فان من اساسياتها ابقاء خطوط اتصال موثوقة مع (العدو) و المحافظة عليها في جميع الاحوال.

ان فن الحرب (قديمها و حديثها) طور الحرب من مجرد حرب إحن و غبائن و إفناء الي حرب لها اهداف عسكرية و سياسية متي تحققت فإن الطرف الذي حقق اهدافها يبادر الي المحافظة علي ما حققه فيقدم تنازل المنتصر لايقاف القتال كما ان الطرف الخاسر كذلك يميل الي تحقيق بعض الامتياز سلما و تخفيف خسائره عوضاً عن أن يخسر المزيد .. 

كما اصبحت للحروب قواعد انسانية و قواعد اشتباك، و للجيوش عقائد عسكرية و قتالية.

و ليست مجرد كر و فر !!

حرب ال "كل شئ او لا شئ" هذه انتهت في صلح الحديبية و ما عادت الحروب تدار بنمط حروب "داحس و الغبراء" و "البسوس" و "الفجار" ..

و القنوات الخلفية للاتصال بالعدو (و هي من اياسيات عمل الاستخبارات) مثلها مثل الانسحاب "التكتيكي" لا تقل اهمية عن الحرب النفسية و تكتيكات المباغتة الهجومية و خطط الدفاع، فكما يدرس القادة و الضباط دروس و يتلقون تدريبات في مهارات الانتشار و الهجوم و التصدي و ضرب معنويات العدو فإنهم يتلقون دروس في مهارات الانسحاب باعتبارها عملية عسكرية قائمة بذاتها و يجب ان يتلقي القائد تأهيل يمكنه من التقدير الجيد ليعرف متي و كيف ينسحب و يحافظ علي جنوده و معداته و بأقل خسائر..

 بذات القدر فان الاحتفاظ بخط اتصال آمن بالعدو عمل مهم يمكن القادة من تنسيق بعض المسائل مع العدو و لعل ابرزها المسائل الانسانية .. و هذه القنوات تمثل الاساس لبناء الثقة لأي تفاوض مستقبلي يحقق السلام .

و لا ادري ماذا يتلقي قادة "جيوشنا و مليشياتنا الموالية و غير الموالية" و تحديداً قادة جيشنا النظامي بكلياته و معاهده العسكرية و الاستراتيجية؟؟

قادة جيشنا في خطاباتهم و تصرفاتهم يثبتون دوماً انهم ليسو قادة حروب نظامية انما لوردات حرب من عصور غابرة!

هم لا يقاتلون وفق خطط مدروسة و عقليات استراتيجيات علمية انما يقاتلون بعقليات (الدواس)؟!!

لا تشعر بأي فرق بين القائد العام وكبار ضباطه و  احدث جندي (من الذين يهتفون فِك اللجام).

في الحرب الدائر رحاها الأن ظهرت العشوائية من اول يوم عندما انتشرت الجثث لأيام، و تقطعت الاسباب بالمصابين ؛ جثث المدنيين و العسكريين و المصابين كذلك، و تقطعت السبل بمدنيين اطفال و نساء و رجال طلبة مدارس و مرضي و موظفين ..كثير من هؤلاء لم يتمكنوا من مغادرة الاماكن التي دهمتهم فيها الحرب و لم يتمكنوا من العودة لبيوتهم الا بعد تدخل منظمة الصليب الاحمر و الأمم المتحدة لاخلاءهم و انتشال الجثث و اسعاف المصابين!!!

المئات بل الالاف ماتوا ليس بسبب نيران الاسلحة انما بسبب انقطاع الادوية (محاليل غسيل الكلي و جرعات علاج السرطان)!!

كثير من المدنيين كان يمكن السماح لهم بمغادرة نقاط الاشتباك و النجاة لكن عقلية الدواس و الحسم و الاستهانة بالخسائر اضطرتهم للبقاء لأيام في خطوط التماس و كثير منهم لقوا مصرعهم شهداء بسبب هذه الرعونة لا غيرها.

اليوم فقط نقلت الانباء خبر كارثة جديدة كنتيجة مباشرة لرعونة قادة الحرب و تمثلت في غرق مدن و قري بولاية النيل الابيض بسبب الفشل في ادارة مرفق حيوي هو خزان جبل اولياء..خزان جبل الاولياء الذي اصبح بذاته هدف لعمليات القصف الجوي اليومية دون اعتبار لما يمثله هذا المرفق من أهمية بيئية و "هيدرولكية" تتأثر بها ارواح الملايين و معايشهم و زرعهم و ضرعهم و سائر وسائل كسب عيشهم !؟

و ما ينطبق علي خزان جبل اولياء انطبق من قبل علي مصفاة تكرير البترول في الجيلي!! و ان كانت المصفاة في اول شهور الحرب حظيت باعتبار و ظلت تعمل و ظل الفنيون قادرين علي القيام بعملهم بين صفوف الطرفين المتقاتلين؛ لكن ثبت الأن ان وضعية المصفي حتمتها امور ليس لها صلة بعقليات قادة ادارة الحرب انما باعتبارات دبلوماسية و "تجارية" تتصل بدولة جنوب السودان!!

ان الحرب التي يقرر اولوياتها اناس كالانصرافي و عائشة الماجدي ثبت بما لا يدع مجال للشك ان معرفتهم ليست أقل من معرفة جنرالات اكاديميات القادة و الاركان و الحرب العليا و الأمن القومي!

و ان خبراء الاستراتيجية الذين يتصايحون في الفضائيات التلفزيونية الوطنية و غير الوطنية لا يفقهون في الاستراتيجية شيئاً و لا يعرفون ما اذا كانت القنوات الخلفية "انتاية ام ضكر"!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...