نوفمبر٢٠٢٠م
القتال الذي إشتعل مطلع نوفمبر الحالي (2020م) بين الحكومة الفيدرالية الأثيوبية و سلطة اقليم تغراي الشمالي .. لا يهدد استقرار اثيوبيا السياسي و وحدتها وحسب؛ انما مجمل أمن اقليم القرن الافريقي، هكذا علمتنا التجربة، فالحرب الأثيوبية السابقة و التي اسفرت عن استقلال اريتريا تأثرت بحرب السودان المجاور، و تفكك اثيوبيا انعكس علي وحدة السودان.. و مجمل هذا الوضع الهش انعكس علي استقرار الدولة الصومالية، و هكذا.
القتال اندلع اثر خلاف سياسي بين جبهة تحرير تغراي و باقي حلفاءها في الائتلاف الحاكم في اثيوبيا منذ 1991م (الجبهة الثورية الشعبية الديمقراطية الأثيوبية) ذلك الائتلاف الذي خاض حرب ضد سلطة نظام مانقستو هيلامريام الشيوعي انتهت باسقاط تلك السلطة و وصول الائتلاف للحكم..
الخلاف بين جبهة التغراي و شركاءها يعود لسنوات الي الوراء، تحديداً منذ انفرادها بالسلطة بعد صعود اسهم أول رئيس وزراء بعد التغيير الكبير "ملس زناوي" .. من حينها و كل القوميات الكبيرة تستشعر التهميش (يمثل الارومو و الامهرا نحو 60% من الاثيوبيين، علاوة علي ان الامهرا هم حكام اثيوبيا التاريخيين).. بعد رحيل الرئيس زناوي اصبح نقل السلطة و تداولها بين النخب السياسية من مختلف القوميات و مختلف الاقاليم امراً لا مفر منه بعد ان كان امراً في مقدور الائتلاف الكبير ان ينجزه باختياره لا باضطراره! و من حينها و قومية التغراي أو بالاحري الطبقة المسيطرة علي حكومة الاقليم و علي الحركة السياسية الممثلة له تستشعر خطر تقليص سلطاتها و تجريدها من امتيازاتها.. استغلت تلك النخب التوجه السياسي للقيادة الفيدرالية الجديدة الرامي لتحويل التحالف القديم (تحالف القوميات السياسي) لائتلاف برامجي-سياسي مبرراً و غطاء للاعلان عن عدم رضاها عن مجمل التطورات السياسية التي اعقبت رحيل الرئيس زناوي.
اذاً فالصراع وليد حالة من التوجس و الترقب و انعدام الثقة الوطنية.
حتي هذه اللحظة تحافظ الحكومة الفيدرالية علي الاوضاع و تسيطر علي الصراع و تبقيه في طور استخدام قوة القانون و بغرض الحفاظ علي سيادة حكم القانون؛ و كصراع سلطة شرعية ضد مجموعة متمردة صغيرة، لكن يبقي استمرار هذا الوضع محل شك خصوصاً اذا طال أمد العمليات العسكرية عما يزيد علي بضعة اسابيع و حتي الشهرين. طول أمد الحرب و أمد الموت و العنف و الدمار النزوح و اللجؤ؛ الي غير ذلك من توابع الحروب، سيحول النزاع من عملية في حدود القانون و لأجله الي حرب اهلية مكتملة الاركان و الشروط، و حينها ستجد اثيوبيا (و المنطقة ايضاً) نفسها ازاء ما ظلت تتحاشاه.. و حينها سيكون ما تحقق من استقرار سياسي "هش" و طفرة تنموية ملحوظة و نهضة اجتماعية مع انتعاش امال بنهضة مستقبلية واعدة تمثل ذروتها اكتمال و تشغيل سد النهضة عرضة للانهيار السريع.
المخرج من هكذا سيناريو يعتمد علي سلوك طرفي النزاع اولاً، ثم سلوك شركاء المنطقة "الايقاد"، فالسلطة الفيدرالية مطلوب منها ان تحرص علي انهاء العمليات الاساسية في اسرع حيز زماني و ابقاء العنف كذلك في أضيق نطاق مكاني، و من المهم ان تساعد في جهود اغاثة النازحين و اللاجئين لا ان تترك ذلك للمنظمات الدولية و الانسانية الحكومة و غير الحكومية؛ فاهتمامها سيعني الكثير لقاطني الاقليم و للمراقبين.. و ان تتبني وقفاً و لو احادي الجانب ان وجدت ان العملية الحربية لم تحقق غايتها في الموعد المحدد..
أما سلطة اقليم التغراي فمطلوب من قياداتها و رموزها ان تغلّب مصلحة مواطنيها و مواطني اثيوبيا علي مصالحها و فوائدها هي كنخب حاكمة للاقليم و شريكة في الائتلاف الحاكم القديم-الجديد.. فالطموح السياسي و الامتيازات الاقتصادية و المالية متي اضحي ثمنها دم الاهالي و سلامتهم و استقرارهم ينبغي ان يلجم و يتوقف.. و
ان تفهم تلك النخب ان ما تحقق من استقرار سياسي و تنمية اقتصادية إن لم تواكبه تنمية سياسية (تطور سياسي) سيبقي استقرار و تطور هش و عرضة للتداعي عند أول اختبار، و إن تطوير تجربة ائتلاف الحركات القومية المنتصرة في الحرب الاهلية الأخيرة في مواجهة نظام منغستو امر ضروري لاستيعاب متطلبات مرحلة جديدة تحركها طموحات اجيال جديدة لم تعيش ذلك الصراع انما تحيا واقع مختلف محلياً و دولياً هو خطوة تأخرت و لابد من اتمامها قبل فوات الأوان.
أما شركاء المنطقة و القوي الاقليمية و الدولية فمطلوب منهم اما المحافظة علي الحياد التام أو ان الدفع باتجاه تسوية سريعة تحقن الدم و لا تعوق النهضة.
#اثيوبيا
تعليقات
إرسال تعليق