التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ادارة العدالة

  احدي اولي القواعد القانونية التي يدرسها طلاب القانون في يومهم الاول تقول: ( تأخير العدالة بمثابة انكار للعدالة والغاء وابطال لها) Justice delay is  justice deny ومن هذه القاعدة نبعت اهمية ان تتم عملية ادارة العدالة بحيث لا يضار شخص من اجراءاتها بأي صورة من الصور او أي شكل من الاشكال.
  جاءت قواعد ادارة العدالة لضمان عدم التأخير و عدم التعجل ايضا في تنفيذ القانون 'اداة العدالة الرئيسية' وبحيث تكون عملية انفاذ وتطبيق القانون في مدي زمني معقول وعادل،
  تعتبر ادارة العدالة مهمة وضرورية لأن فقهاء القانون رأوا ان ( رؤية العدالة وهي تتحقق لا تقل اهمية عن تحقيق العدالة ) فالتعجل يفوت علي الكثيرين رؤية عمل العدالة كما ان التأخير والمماطلة يدفع الكثيرين الي فقدان الثقة بالقانون واجهزته و ربما دفعت بالبعض الي اخذ القانون بأيديهم ( الانتقام ) وتحقيق تصورهم الخاص للعدالة! 
  و مع كثرة القوانين واجهزة تنفيذها و تعقد المنظومة القانونية اضحت ادارة العدالة مفهوم من الضروري ان تتبناه الدول في نظامها العدلي ومنظومتها الحقوقية،
فعدالة بلا سلاسة في العمل وفعالية اداء وسهولة وصول تكون عديمة نفع وبلا جدوي.
  لذا فادارة العدالة  Justice Administration هي الاداة العمومية التي تتيح منظور اشمل لرؤية عملية تحقيق العدالة، وتتيح كذلك تحقيق الغايات التي شرعت لأجلها القوانين، و تمكن من تحقيق العدل الذي هو اساس الملك والحكم..
  لأجل كل ذلك تعمل كل التشريعات مع بعضها البعض بانسجام لتأسيس منظومة ومفهوم ادارة العدالة،
فالدساتير الوطنية تنص في بنود وابواب منها علي قواعد حاكمة لادارة العملية العدلية؛ فهي حين تنص علي قواعد واساسيات ومبادئ السلطة القضائية و النائب العام ( بصلاحياتهما القضائية وشبه  القضائية ) وحين تنص علي القواعد الحاكمة لعمل المحامين ( وهي مهنة خاصة تقدم خدمة عامة، وتمثل ركن ركين من اسس تحقيق العدالة؛ لذا هي المهنة الخاصة الوحيدة المنصوص علي ضوابطها العامة في الدستور، أي مهنة خاصة دستورية ) وتنص علي ضوابط عمل الشرطة.. فهي انما تضع اللبنات الاولي لعملية ادارة العدالة؛ ثم تنص بقية القوانين خصوصا الاجرائية منها ( الاجراءات الجنائية والمدنية وابواب القواعد الاجرائية في القانون التجاري والاداري والاحوال الشخصية ..الخ ) علي قواعد تفصيلية توضح طريقة عمل الجهاز العدلي والقانوني و نقاط الوصول الرئيسية Access To Justice والتي هي بمثابة زر تشغيل الجهاز العدلي لكل حالة علي حدا.. فهي تحدد طرق فتح البلاغات والشكاوي وتحريك الدعاوي المدنية وتقديم العرائض؛ وطرق اصدار القرار فيما هو مقدم من طلبات؛ وطرق الاحتجاج علي تلك القرارات ومناهضتها واستئنافها وتنفيذها.. قسم مهم من عملية ادارة العدالة يتعلق بادارة الوقت وكما تقدم فان تأخير العدالة انكار لها و مدي التقاضي ( المدي الزمني ) هو المعني هنا؛ واحيانا يحدث الخلل فيكون امد التقاضي بلا أجل وبلا سقف زمني كما يحدث حين يتم استئناف دعوي في كل المراحل وستنفد حتي فرص المراجعة فيأتي القرار الاخير بان تعاد القضية لمحكمة الموضوع لاعادة الفصل في ضوء توجيهات من المحكمة الاعلي درجة! ما يعني ان العملية ستعود الي نقطة الصفر لتتحرك مجددا لقطع الطريق الذي سبق وقطعته بكل ما يتطلبه من سنوات و عقود احيانا! وهذا ليس علي سبيل المبالغة فثمة دعاوي معلومة للقانونيين مكثت في ردهات المحاكم لعشرين سنة دون فصل نهائي! قسم اخر لا يقل اهمية من ادارة العدالة يتعلق بالشق المالي، فعملية عدلية لا تراعي العامل المالي ( رسوم التقاضي ومصروفات الاجراءات واتعاب المحامين والمحكمين... الخ ) تخرج بها عن كونها عدالة الي كونها سلعة لا خدمة حتي! صحيح ان هناك بنود تتيح الاعفاء او تأجيل سداد بعض الرسوم لكن مجرد فرض رسوم باهظة يمثل معوق امام سير العدالة. ان اجهزة انفاذ وتطبيق القانون اشبه ما تكون بالزجاج الصقيل لذا اي خلل ( خدش ) فيها يفقدها قيمتها و وظيفتها، بل و يحولها من اجهزة ادارة العدالة الي اجهزة ادارة القمع والاستبداد!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...