التخطي إلى المحتوى الرئيسي

متي يثور ( كرام القوم )!

  الملاحظ ان النخب ( الاجتماعية خصوصا- القبلية والدينية في السابق والتي تشمل الان المتعلمين/المثقفين من اصحاب المهن ذات المكانة الاجتماعية الرفيعة او ذوي الياقات البيضاء في الاصطلاح الغربي ) ومن يسمون هنا بالاعيان لم يتدخلوا في الشأن العام عند الحاجة الفعلية ( عند الحارة ) انما ينشطون ( عند الباردة ) لجني ثمرة التحولات والتبدلات والتغييرات ولتجيير فوائدها لصالحهم وادعاء بطولات زائفة وامجاد زور وتاريخ مفبرك... كما ان لهم تدخلات لا تزال تصم دورهم ابان الاستعمار حين رفعوا للحاكم العام مزكرتان بإسم ( كرام القوم ) يتبرأوا في احداها من ثوار اللواء الابيض وينعتوهم باقزع النعوت و يطالبوا في الثانية بابطاء عملية انهاء حالات الرق بزعم ان المجتمع بفئتيه ( الاحرار والرقيق ) غير مستعد لهذه النقلة!!
  وفي عهود الحكم الوطني استسلم ( كرام القوم والاعيان/النخب ) لسياسات الانظمة القمعية؛ فانتفاضة اكتوبر قام بها الطلبة ضد نظام المجلس العسكري الذي قاده الجنرال عبود، وانتفاضة ابريل ايضا قم بها الطلبة المسنودين بفصائل الشماسة ( المشردين ) وهي الفئة التي سحقتها سياسات الحرب والافقار والتي قادت للمجاعات.. وفي كلا الانتفاضتين كان كرام القوم ( التقليديين والحداثويين ) هم اخر من يقوم وينتفض بعد ان تيقنوا ان التحول قد انجز! فيقوم النقابيون من اطباء ومحامين و مهندسين و اساتذة بوضع لمستهم ورتوشهم الاخراجية و معهم ضباط الرتب الوسيطة في القوات العسكرية ثم يرتدي زعماء الطائفتين من نسل كرام القوم ( التاريخيين ) عباءاتهم ليستلموا المقاليد!
  بسبب الطريقة التي انجزت بها التحولات في السابق فانه مامن تغيير مهم حدث، ولن يحدث انتقال حقيقي في تاريخ البلد ولا في مصائر شعبه مالم يغير كرام القوم نهجهم وعقليتهم واسلوب عملهم الاجتماعي والسياسي..
  لن تحدث نقلة مالم يقم كرام القوم ( النخب التقليدية والحديثة معا ) بواجبهم الوطني وهو واجب البرجوازية الصغيرة وفق تقسيم ماركس الطبقي؛ فعنده البرجوازية الصغيرة هي الاقدر علي التغيير ان امتلكت الوعي اللازم فهي تملك الادوات اللازمة المادية والمعنوية، لكن تفتقد برجوازية السودان الصغيرة ( كرام القوم ) للوعي اللازم الذي يمكنها من رؤية مصالحها علي المدي البعيد لا ان تري انفها فقط كما تفعل الأن!
ما هو مطلوب من ( كرام القوم ) هو ان يعوا ان تغييرا علي طريقة اكتوبر-ابريل لن يكون مفيدا ولا كافيا لوضع البلاد والمجتمع السوداني علي سكة النهوض المستديم، وان انتفاضة يقوم بها الطلاب او المشردون والمسحوقون قد تغير الحكومة ولكن لن تغير الواقع الاجتماعي .. ان ثورات الجياع لم ولن تحدث تغييرا يذكر، فالمطلوب ثورة وعي ثورة عقول تعرف ما تريد وكيف تصل لما تريد وكيف تحمي مكاسبها، فالجياع متي طعموا سكتوا!! ومتي تغيرت الحكومة ظنوا ان الواقع سييتغير تبعا لذلك التغيير لكن التغيير غالبا ما يكون شكليا لأن الفئات المنتفعة من بقاء النظام الاجتماعي السائد تعرف كيف تحمي مصالحها وكيف تتحور و تتلون بما يلائم لتبقي مسيطرة ومتنفذة.. علي ( كرام القوم ) ان يعرفوا ان غاياتهم ومصالحهم القصوي لن تتحقق مالم تتحقق غايات كل الفئات وان تتطور وتحسن اوضاعهم لن تكتمل الا بنهضة تعم الجميع لذا عليهم ان يقودوا التغيير لا ان يبقوا في الظل لاقتناص المنافع والثمار بسهولة ويسر! كما عليهم ان يحثوا ويقنعوا كل الفئات التي تحمي الوضع القائم وتخاف من التغيير بان التغيير لا يخيف الا الضعيف فاقد القدرة علي التفاعل والاستجابة والتأقلم، ولا يحيف الا صاحب منفعة ومصلحة حققها بشكل غير مشروع.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...