لأن دول العالم الثالث ابتليت بالفشل السياسي و تفكك اجهزة الدولة وﻷن الجيوش بطبيعتها تبدو أكثر تماسكا وأقل إستجابة للأزمات لأسباب إقتصادية وقانونية 'و عسكرية أيضا' فهي تمثل أحيانا ملاذ للوطنيين ﻹنتشال البلدان من مرحلة الفوضي السياسية والأمنية 'الناتجة عن الأزمات الاقتصادية' وأحيانا 'يتطوع' افراد منها ويتصدي لأزمات الحكم والسياسة ربما بنية حسنة وجهل وربما بطموح شخصي و مطمع ذاتي!
وبمجرد الإستيلاء علي السلطة تبدأ الأحوال تسوء بمتواليات هندسية و وتائر متصاعدة و يصل معها التدهور الي بنية الجيش نفسه.
ان حكم الدول ليس كقيادة الجيوش! فقائد الجيش في الغالب توفر له الموارد المالية و يعمل في بيئة واضحة المعالم تعتمد نظام تراتبية واضحة وسلسلة اوامر وقيادة معلومة ومقبولة، اما قيادة الأمم فذاك شأن آخر.
هذه المقدمة تنطبق علي السودان بشكل دقيق، كان الحكم والشأن السياسي دولة بين المدنيين والعسكريين في حراك شبه متفق عليه اذ كلما فشل المدنيين كان مخرجهم تسليم السلطة للعسكر بصورة معلنة و واضحة او بصورة مستترة، وكلما فشل العسكر قاموا باجراء عملية نقل السلطة للأحزاب المدنية!
لكن مؤخرا دخلت هذه الحلقة العبثية مرحلة غاية في الدقة والحساسية، اذ ان الانقلاب الاخير '1989، البشير' كان بائتلاف مدني عسكري مشترك! و استمر لفترة اطول من سابقاتها تم تجريب كل الحيل فيها لكن الأمور ظلت تسير من سئ الي اسوأ، و وصل الانهيار الي قلب الجيش و تعددت المليشيات المسلحة الموالية للسلطة والمناوئة لها. مع انعدام لأي مخرج من المخارج المألوفة فيما سبق.
بغض النظر عن الاسلوب الذي سيختم به حكم البشير فإن مهمة من يستلمون السلطة بعده ستكون عسيرة جدا، لن تكون مهمة تسيير كما في السابق انما اعادة تأسيس دولة من مبتدأها.
فأول ما ينبغي علي من يخلفونه فعله هو اعادة صياغة ورسم البعد السياسي للجيش، و تحديد العقيدة السياسية له ان صحت العبارة.
ان حماية الديمقراطية و الحكم المدني لن تتأتي ما لم يقتنع العسكر بأن الحكم هو شأن مدني وليس عسكري، ولا يصلح بالتعليمات العسكرية الصارمة و الطاعة المطلقة.
لذا يجب ترسيخ مبدأ ان من يحكم يجب ان ان يكون مدنيا وان كان ذو خلفية عسكرية فعليه ان يخلع البزة العسكرية فورا ويتقاعد ويخلي طرفه من اية مهام عسكرية، ولا تقبل عودته للمؤسسة العسكرية ثانية بعد ولوجه عالم السياسة تحت اي ظرف من الظروف.
ويجب ان يتم تكريس ذلك لدي العسكريين في مختلف مستوياتهم مع الاهتمام بترقية وترفيع الوعي السياسي لدي الضباط والجنود و زيادة جرعات المعرفة السياسية المقدمة في الكليات العسكرية و دورات التدريب والتأهيل وسائر القنوات العسكرية المتاحة 'الاعلام العسكرية والتوجيه'.
بالتوازي تجب اعادة بناء الجيش بما يستوعب ظاهرة المليشيات الموالية والمناوئة و واقع ان اكبر تهديد للأمن القومي السوداني في العقود الماضية كان هو حركات حرب العصابات الداخلية وليس المهدد او الغزو الخارجي، فيجب استيعاب كل المليشيات و افضل طريقة لاستيعابهم هو ان تكون المؤسسة العسكرية بنظام الجيوش المستقلة فنيا واداريا في المستوي الادني علي ان تأتمر كلها لرئيس هيئة اركان الجيوش المشتركة الذي يتبع وزير الدفاع والقائد الاعلي ( الرئيس ).
ويجب ان تستوعب عملية اعادة بناء المؤسسة العسكرية كل الارث العسكري السوداني من جيوش بعانخي وتهراقا و الكنداكة الي رماة الحدق و الجهادية السود والبازنجر والوية الثورة المهدية وقوة دفاع السودان. كما يجب ان يعاد بناء الجيش بما يتوأم مع طبيعة السودان واضعا في الاعتبار ان عملياته ستكون علي هذه الارض 'وهناك قاعدة عسكرية تقول : الأرض تقاتل مع اصحابها' والصحيح انها تقاتل مع من يعرفها جيدا ويعرف تضاريسها، فيجب تشكيل وتدريب فرق تختص بحرب الجبال و حرب الصحراء وزيادة القوة النهرية وحرب المدن وحرب الغابات.
تعليقات
إرسال تعليق