التخطي إلى المحتوى الرئيسي

محاكم الطهرانية وشرطتها: النظام العام!

  يعتبر قانون النظام العام لولاية الخرطوم احد اكثر القوانين اثارة للجدل،
لكن بكل أسف هو جدل سياسي يشوبه جهل بين النشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين من جهة و مزايدة وتكسب وانتهازية سياسية من قبل الحاكمين، لذا وبرغم طول امد الجدل بشأنه الا انه لم يحدث اي تغيير او تطور بل ويمكن ان يستمر الجدل بشأنه الي ما لا نهاية! لأنه جدل لوجه الجدل حتي اضحي كجدل اهل بيزنطة 'هل الملائكة اناث ام ذكور' وايهما اول الدجاجة ام البيضة!
السبب الرئيسي هو انه لم تتم اي دراسة جادة لنصوص القانون و لتداعيات تطبيقه للوقوف علي مواده المثيرة للخلاف!
فنظرة سريعة للقانون الذي سنه والي الخرطوم سنة 1994م و عدله مجلس الولاية بعد سنتين نستبين ان نصوص القانون لا تحتوي اي نص يحكم المسائل مما يثار الجدل بشأنها!
فالقانون غير معني باللباس ولا بالجرائم 'الأخلاقية او ما يعرف في المنطقة بجرائم الاداب' انما هو قانون يعني ب'تنظيم' مناطق التجمعات العامة كالاسواق مثلا، و مما لا شك فيه فهو قانون من قوانين النظام الديكتاتوري يهدف للسيطرة والتحكم في الافراد لدرجة السيطرة التامة عليهم، الا انه لا دخل له باغلب ما يثار من جدل الأن بشأنه!
فالقانون يعني بتنظيم الحفلات العامة والخاصة 'المناسبات الأسرية والعائلية!' و بالجلوس في المركبات العامة!! و بظواهر التشرد و التسول جمع التبرعات ' ويلاحظ ان الجهات المختصة عمليا لم تتخذ اية اجراءت فيما يخص هذه البنود من القانون'!! وبتنظيم عمل محال تصفيف الشعر والتجميل 'الكوافير'! و باستخدام مكبرات الصوت! و الدجل والسحر والشعوذة!
اذا فالقانون يهدف للرقابة والتحكم وضبط سلوك المواطن في الشارع و اماكن التجمعات العامة و المرافق والاسواق، فمن اين تأتي والي ما تستند الحجج بأن القانون يسبب المشاكل التي يتحدث عنها الناشطون والساسة في الاعلام!
الواضح ان القانون عند سنه اولا كان يهدف لأن يكون بمثابة 'قانون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر' علي نسق النسخة السعودية! بل وتقديم نسخة اكثر راديكالية 'تشدد' في هذا المنحي.
وكان كبار موظفي الدولة في ذلك الوقت يسعون لإثبات ولاءهم للمدرسة الجديدة 'الاسلامية' في الحكم لذا فقد تم تقديم شروحات وتفسيرات واجتهادات و 'اقتراحات' تدعم وتقوي تطبيق قانون النظام العام!
ومن ذلك قيام مدير الشرطة بتأسيس ادارة كاملة وتخصيصها للقيام بتطبيق قانون الولاية! 'هل لاحظتم ان الشرطة اتحادية والقانون ولائي!!' تحت مسمي شرطة النظام العام و التي تحولت لاحقا لمسمي 'امن المجتمع'!!
كما قام رئيس السلطة القضائية باصدار امر تأسيس محاكم خاصة لنظر قضايا 'قانون النظام العام' وحدد اختصاصاتها فوض لها سلطات اصدار احكامها!!
وفي ظل دولة بوليسية كالسودان منذ 1989م وليست دولة قانون فان ممارسات البوليس و الجهاز القضائي الذي لا يملك سمات استقلال فإن الممارسة البوليسية والقضائية هي التي صنعت ل "قانون" النظام العام صيته وسمعته التي سارت بها الركبان.
ان انهاء هذا الوضع يقتضي اولا دمج شرطة امن المجتمع في الشرطة الجنائية و دمج اقسامها مع منظومة اقسام الشرطة المعروفة و الغاء محاكم النظام العام و ترك سلطة انفاذ القانون لمحاكم الجهاز القضائي للولاية 'الخرطوم'، والا فإن محاكم النظام العام ستسير علي خطي محاكم 'العدالة الناجزة' سيئة السمعة علي ايام حكم النميري و ستكون بمثابة محاكم تفتيش معاصرة بنسخة وذات صبغة سودانية 'اسلامية' مع الأسف!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...