التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قانون الشركات والمسجل التجاري.. العقدة في الادوات لا النص

  في العام 1925م اجازت سلطة الاستعمار الانجليزي المصري في السودان ممثلة في الحاكم العام الانجليزي قانون للعمل التجاري والنشاط الاقتصادي يعتبر بكل المقاييس من القوانين المدنية المتقدمة والحديثة، ولأن السودان كان للتو خارج من قرونه الوسطي ومن حقبه المظلمة كان بمثابة مادة خام سهلة التشكيل، لم تكن ثمة عقبات وعراقيل تعوق سن تشريعات متطورة خصوصا في المجال المدني والتجاري.
كان الاداريين الانجليز يفخرون بالقانون الذي وضعوه و يزعمون انه متقدم حتي علي القوانين السارية في لندن عاصمة الامبراطورية نفسها والتي بسبب تشابك و قدم الانشطة والمعاملات لم تتمكن من تحديث قانونها الا في بصعوبة في 1968م.
اذا فالقانون التجاري السوداني 'الشركات والشراكات' بدأ من مركز متقدم جدا.
  لكن تلك البداية لم نستفد منها فسرعان ما تعقد الوضع عندنا. بينما بقي ذلك القانون ساريا دون تعديل لقرابة القرن حتي تم تعديله في العام 2015م!!
فأين كمنت العلة؟ في القانون القديم نفسه؟ ام في تطبيقه وفي الاجهزة والاشخاص المنوط بهم السهر علي حسن انفاذه؟! و هل يقدم قانون 2015م حلولا لأزمة الشركات في السودان؟ ويوفر المناخ المطلوب لبيئة العمل التجاري والانشطة الاقتصادية؟!
  فيما يخص اشكالات قانون الشركات القديم: ربما تكون مشكلة قانون 1925 الوحيدة هي حداثته و تتطوره نفسه، اذ ان تلك الحداثة لم يواكبها تجهيزات واعداد للجهات المختصة بانفاذه و الجهات المستفيدة منه 'الشركات التجارية' نفسها،
فأولا: تسبب القانون في انتشار ظاهرة الشركات الوهمية التي بلا مقر وبلا مساهمين حقيقيين وانما يكون لها مؤسس واحد والبقية مساهمين شكليين لتكملة الاجراءات، وظاهرة الشركات التي تتأسس لغرض بسيط و وحيد اي دخول لعطاء او مناقصة معينة لاغير!
ثانيا: تجربة شركات المساهمة العامة و شركات الدولة 'الشركات الحكومية' كانت اسوء من تجربة القطاع الخاص والقت بظلالها السالبة علي البيئة القانونية والسوق ايضا، لكن بسبب الحماية التي تحظي بها لم يوجه لها اي لوم او تخضع تجربتها للتقويم.
ثالثا: حتي الشركات التي لها وجود فعلي 'ليست علي الورق او وهمية او بغرض الاحتيال' كانت خصما علي الاقتصاد الذي لأجله اخترعت قواعد القانون التجاري؛ فالشخصية الاعتبارية والصفة التعاقبية مثلا والتي صممت لحماية حملة الاسهم من المطالبات في حالة استغراق الديون لاصول الشركة وضمان استقلال شخصية المؤسسة الاقتصادية عن اوجدوها واداروها.. يتم استغلالها من قبل شخص واحد يملك كل الاسهم عمليا وبالمقابل لا تخدم الشركة اية مصلحة عامة بل مصلحة 'المساهم الوحيد'، فيما ان تكل القواعد كما سبق وضعت لخدمة الاقتصاد والسوق ابتداءا بتسهيلات لزيادة الانتاج ثم زيادة فرص العمل وصولا لزيادة الناتج القومي..
رابعا: كل الشركات تفتقر لدرجة العوز لتطبيق مفهوم حوكمة الشركات، فبالنسبة لها ماهو مطلوب قانونا وبموجب علم ادارة الأعمال الحديثة كله شكليات وحتي عندما تعقد مجالسها العمومية فانها تقوم اليها متكاسلة وتفعل ذلك كشكل بلا معني ولا قيمة
  ان تلك الاشكالات نتجت عن ضعف استعداد الجهات التي انيط بها تنفيذ وتطبيق و شرح وتفسير القانون 'من معاهد القانون الي المسجل التجاري و المحاكم.. الخ'.
* فالمسجل التجاري 'ادارة التسجيلات التجارية حسب المسمي الجديد' مكون بصورة كاملة من مستشاري وموظفي وزارة العدل فقط، وكأن المشرع او المنفذ يعتقد ان الشركة مؤسسة قانونية مع انها مؤسسة اقتصادية قبل ان تكون ذات وضع قانوني ويفترض في مثل هذه الادارات ان يراعي في تكوينها وجود ممثلين عن كل المصالح المعنية 'وزارة المالية، البنك المركزي، وزارة التجارة،وزارة العمل، الغرف الصناعية والتجارية واصحاب العمل..الخ'، لضمان توفير رؤية اقتصادية اشمل وايضا لتسريع اجراءات التسجيل وخلافه والتي اضحت من المعايير التي يقاس بها مؤشر بيئة اﻷعمال.
  ان الصبغة القانونية البحتة للجهاز حاليا هي المتسبب في عقم وروتينية الاجراءات وعن نشوء الظواهر التي يحاول المسجل التجاري الأن محاربتها عبر حملات التفتيش 'الانتقامية' التي يشنها علي مقار الشركات، وهي حملات مرهقة وبلا طائل، اذ من الممكن تجنبها والتحايل عليها ببساطة شديدة بل من الممكن الوفاء بشروط المسجل دون ان يعني ذلك وجود شركة تعمل بالفعل وتسهم في الاقتصاد! ومن الافضل ان يتم الاستعاضة عنها باجراء بسيط يتم في مكتب التسجيلات ويضمن تحقق الاهداف التي من اجلها شرع القانون و وجدت الادارة نفسها 'المسجل التجاري'.
  كما بقي جهاز المسجل التجاري علي حاله لنحو 90 عام دون تطوير يراعي المتغيرات كافة و ينبغي اعادة النظر في التقسيمات الادارية لجهاز المسجل التجاري وتحديدا ما يتعلق بالتوزيع الجغرافي لمكاتب المسجل علي الولايات والمدن ذات الأهمية التجارية والاقتصادية، فالافتراض السائد الان ان المسجل التجاري بالخرطوم هو المقر الرئيس في حين انه فرع جغرافي و اقليمي 'ولائي' لا فرق بينه وبين مكاتب للمسجل في عواصم الولايات، ويجب اعادة هيكلة الادارة لتستوعب البعد الفيدرالي 'الاتحادي' كنظام حاكم متبع ويراعي كذلك القواعد العملية في الادارة والحوكمة بحيث تتحقق افضل النتائج الاقتصادية التي من اجلها يتأسس السجل التجاري العام.
** لم تقم كليات دراسة القانون و الحقوق بواجبها في شرح و تحليل ودراسة تطبيقات قانون الشركات و لم تفرد له الحيز الذي يستحقه في دورياتها و ندواتها وسمناراتها 'وهي شحيحة في ذاتها!
و بما انه قانون تجاري/ يعني بالمجال الاقتصادي/ كان ولا يزال من الواجب لن يتم تدريسه في كليات الاقتصاد والادارة بصورة اكثر تركيزا كما يستحسن ان يدرس في كورسات مبسطة لطلاب الكليات الاخري لا سيما الهندسة والعلوم والاداب..
*** فيما يخص القضاء والمحاكم كانت قضايا الشركات والمنازعات التجارية من اختصاص المحاكم المدنية العامة المنتشرة لكن منذ العام 2005 تم انشاء محكمة تجارية عهد لها النظر في هذه القضايا ولكن هي محكمة وحيدة مقرها الخرطوم! ما يشير بقوة الي القرار انشاءها غير مدروس ولا يخدم للقانون التجاري 'الشركات' اية قضية و يضيف تعقيد وقيد جديد علي الانشطة التجارية و الإقتصادية، فاما ان يتم تأسيس محكمة تجارية في كل عواصم الولايات و كل المدن المهمة التي بها نشاط تجاري واقتصادي كبير او ان تعود سلطة النظر في قضايا الشركات والشراكات واسماء الاعمال لقضاة الدرجة العامة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...