التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ميزانية 2018.. الازمة تلتف حول رقبة الحكومة

  بانفصال أقاليم الجنوب ذات المخزون النفطي في 2011م فقدت حكومة السودان نحو 70% من ايراداتها، وشعر المواطن بضائقة معيشية واقتصادية محكمة حوله، لكن كانت السلطة المتوطدة الاركان قادرة علي القيام بمهمة تسيير حكمها "دفع الرواتب للجنود النظاميين وغير النظاميين، وجنود الجهاز المدني، والقيام بمتطلبات لوردات الجهاز السياسي الضخم المساند لها" لذا استطاعت ان تصمد بوجه التذمر المتزايد وبوجه التمردات المسلحة.
  في العام 2012 قال البشير في لقاء تلفزيوني ان فقدان ايرادات النفط صعب الاوضاع لكن في غضون عام سينفرج الوضع ومطلوب من المواطن ان يصبر علي الحكومة هذا العام فقط. لكن مر العام والذي تلاه  ولم يحدث الانفراج الاقتصادي الذي وعد به الرئيس بل زادت الانور سوءا وبلغ سعر صرف الجنيه 13 جنيها مقابل الدولار! واختتم الشعب تلك السنة "2013م" بانتفاضة غضب في سبتمبر قمعتها السلطات بقوة باطشة و بخسائر في الارواح بلغت 280 في احصاءات الحكومة واكثر منها عند المنظمات الطوعية!
لكن بعد ستة سنوات من ذلك التاريخ و مع نفاذ مخزون الاكاذيب والوعود الخلب بزيادة انتاج الذهب و اصلاح الدولة فان موازنة العام 2018 تضع الحكومة في مواجهة النهاية التي طالما تجنبتها.
أبرز سمات هذه الميزانية هي تقليص النفقات. فالحكومة تقول انها ستوقف شراء سيارات جديدة، والسيارات الجديدة تمثل احد اهم حوافزها و رشاها للوزراء والبرلمانيين و كبار موظفي الدولة و ضباط القوات النظامية، وبدونها سيقل حماس تلك الفئات للدفاع عن بقاء الحكومة.
كما تقول انها ستوقف بناء المرافق والمقار العامة. وهذا يعني ان "العطاءات" التي كانت تذهب لمن لا يستحقون و خلقت مئات اثرياء الغفلة ستتوقف و ستجف معها خزائن تلك الفئات!
من السمات كذلك فان السلطة ستسعي "لتوسيع مظلة الضرائب والجبايات" وهذا يعني زيادة رصيد الحنق علي السلطة، لأن توسيع المظلة الجبائية يعني الشروع في ملاحقة فئات هي ملاحقة اصلا برسوم كثيرة و فئات اعيتها الحيلة للبقاء والعيش اصلا تصبح مطالبة بدفع ضرائب!
هذا علاوة علي تقليص الصرف علي الزيارات الرسمية الخارجية ..!
ان موزانة العام 2018 والتي لا يتجاوز حجمها مبلغ الستة مليارات دولار '150 مليار جنيه سوداني' مع انهيار كبير في قيمة العملة الوطنية التي بلغت 26 جنيها مقابل الدولار الواحد! لبلد يزيد عدد سكانها عن ال 30 مليون نسمة. وينتشرون في مساحة تناهز المليون ونصف المليون كيلومتر مربع، هذه الموازنة تمثل شهادة وفاة مالية للسلطة الحاكمة، فالحكومة التي فشلت في تحقيق تنمية اقتصادية في ظل معدلات تضخم غير مسبوقة تتراوح سنويا بين 38-46% بل اقتصر جهد الحكومة خلال ال 30 عاما علي تحقيق الرفاه للدوائر المقربة منها، عبر التمويل المباشر واثراء الحاشية ثم رشوة الدائرة الأبعد بالرواتب والسيارات و "قوت العاملين" وحج المؤسسات و رشوتهم بالمواد الغذائية عبر تعاونيات العاملين في الدولة باسعار مخفضة و زهيدة و باقساط!
كل تلك الامتيازات اصبحت من الماضي و ستتقلص دوائر المنتفعين الي فئة قليلة جدا، و علي تلك الفئة القليلة وحدها ان تدافع الأن عن بقاء امتيازاتها!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...