التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الصادق المهدي: اللعب مع الكبار والصغار!

  ان تأملنا في الخريطة الزمنية صعود ونزولنا هل نجد شخصا بخلاف الامام الصادق ترأس حكومة في ستينيات القرن الماضي و ثمانينياته ولا يزال طامحا في الحكم؟ وشخصا بخلاف الامام يقود حزبه لنحو ستة عقود ولا يزال قابضا علي مقاليد الامور فيه بكلتا يديه؟ لا وجود لشخص تنطبق عليه تلك الحالة بل واجزم لا وجود لشخص يرأس نادي رياضي او حتي زعيم او ملك او سلطان قبلية او رئيس شركة تجارية ظل في منصبه طيلة هذه السنوات لم يتزحزح او شغله من قبل ويطمع للعب ذات الدور مجددا!!
  الامام لعب السياسة مع الكبار ( الامام الهادي و محمد احمد المحجوب والازهري والامام احمد وعبد الخالق محجوب..) ثم لعبها مع انداده (الترابي والميرغني محمد عثمان و نقد و النميري وقرنق) ثم لعب مع منهم اصغر منه سنا واقل مقاما فهو لعب ويلعب مع البشير و نافع و علي عثمان وعبد الواحد وعقار والحلو و عرمان و مناوي وجبريل وحسبو و عمر الدقير و ميادة وهالة؛ و لا يستنكف ايضا في اللعب مع قيادات الحركات الناشئة الشبابية من جماعات قرفنا و زهجنا و التغيير الان وشرارة!!
  منذ وعينا في هذه الدنيا و عرفنا ان فيها حكومات و فيها مواطنون مثلنا ونحن نسمع الامام يلوح بأنه سيعتزل السياسة ( 1988 ) ويتفرغ لشؤونه الخاصة و للكتابة والتفكير!! لكنه يقول هذا الكلام من باب التهديد لأنه يظن ان الجماهير لا تستطيع التنفس دون ان تري صورته او تسمع الصوته و تستنير بافكاره!! فهو يقول هذا الكلام حين يضيق بالنقد الموجه اليه ( وبصراحه فانه يستحق صفة السوداني الذي تعرض لأكبر قدر من الانتقاد ) ولتخفيف هذا النقد لكنه لا يفكر اطلاقا في التنحي او افساح الطريق ومنح الفرصة لغيره اطلاقا.
  المشكلة لاتكمن في طول عهدة وعهد الامام انما تحديدا في انه لم يتعلم من تجربته شيئا يذكر، فهو لايزال يمارس السياسة بنفس العقلية التي ناهضها اول عهده، اذ كان قد انتقد الامام الهادي بسبب جمعه بين منصبي رئاسة الحزب و امامة الطائفة الدينية، ليعود هو في بدايات الالفية الثانية ليجمع المنصبين! وكان ايضا قد طالب بفتح مؤسسات الحزب للعناصر الشابة والتي تلقت تعليما حديثا لكنه عاد لذات الممارسة التي تحتكر المناصب الحزبية بل وتحول الحزب الي خلية مغلقة علي دوائر ضيقة من عائلة المهدي لا غير!
  قلنا ان المشكلة لا تنحصر في المهدي وان كان هو بالتأكيد من رموزها و تجلياتها.
  اذ لا ضمانة الان ان تنفرج الامور ويتحسن اداء حزب الامة بمجرد تنحي او ابتعاد الامام، فهناك ائمة كثر داخل الحزب..
  المشكلة تكمن في نظام سياسي واجتماعي هو المسؤول عن ايصال الامام لرئاسة الورزاء مرتان في الستينيات و الثمانينيات من القرن الماضي و ابقي عليه في رئاسة حزب الامة لما يزيد عن نصف قرن و ابقي علي طموحه ( مشروعا ) للعودة لموقع الحكم للمرة الثالثة! هذا النظام المعتمد علي للوراثة بشكل رئيسي و علي توازنات وتحالفات دينية و قبلية و ارتباطات تاريخانية تبقي المجتمع كله اسير لقيود تحد من قدرته علي التقدم بل وعلي مجرد التفكير في التقدم.
  حزب الأمة تحديدا حتي بعد الصادق لن يشهد تغييرا ما لم تصبح ثقافة التغيير و الوعي بضرورته هي الغالبة لدي ( ما تبقي من عضويته ) ويتم الشروع في تحويله من كيان تقليدي لمؤسسة مدنية حديثة منفتحة علي الجميع بنفس المستوي و علي كل الافكار وليس حكرا لعشائر او تيار بعينه، اما ( وهذا هو المنتظر) ان آلت الامور فيه لعبدالرحمن او الصديق بنسق الوراثة القديم ( الابن الذكر) او للمنصورة او احدي اخواتها ( بنسق جديد ) فسيظل يراوح مكانه لعقود في المستقبل، اما حقبة الامام الصادق فقد انقضت علي أي حال  و ان كان الامام مترددا في وضع لمسات النهاية والاخراج وسيبقي للتاريخ ان يقول كلمته في تقييمها وان كنت اراها حقبة بلا لون ولا طعم ولا رائحة ولها سهمها في ما اصاب البلاد والعباد من تدهور وعنت.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...