بوصول حزب الترابي للسلطة عبر انقلاب زمرة البشير شرع مباشرة في انفاذ تصوراته وخططه و من بين تلك الخطط كان هناك برنامج يسمي ( إعادة صياغة المجتمع ) اوكلت مهمته لوزارة الرعاية الاجتماعية والتي منحت صلاحيات واسعة جدا في ذاك العهد لا تقل عن صلاحيات جهاز الامن والمخابرات وتولي الوزارة حينها الرجل الثاني في الحزب (المحامي علي عثمان محمد طه) ..
هذا البرنامج لم ينال حظه من البحث و القاء الضوء عليه وهو باعتقادي البرنامج الذي به سيطرت حركة تلاميذ الترابي علي المجتمع السوداني،
الي ان تجد حقبة 'اعادة صياغة المجتمع' حظها من التدقيق العلمي لمعرفة ما الذي حدث بالضبط و ما هي مساهمة كل مسؤول انقاذي في تلك الخطة الجهنمية. لا ضير من ابداء بعض المﻻحظات عليها:
* لا شك ان حكومة الاسلامويين استعانت بمختصين في وضع وتنفيذ خطتهم لاعادة صياغة المجتمع، مختصين في علم النفس والاجتماع وهي لم تلتزم باخلاقيات العلم والاخلاقيات المهنية بل تصرفت كعصابة جريمة منظمة ويمثل اختفاء الباحث الدكتور عمر خليفة استاذ علم النفس بجامعة الخرطوم مؤشر في هذا الاتجاه.
* بغرض تسهيل اعادة الصياغة تلك توجب تعليق العمل بالقانون والنظم واللوائح لتحل محلها كلمة احد النافذين، ولتصبح حياة المواطن متوقفة علي الحالة المزاجية لمن بيده الحل والعقد لا متوقفة علي قانون او لائحة او قرار حتي. بالمختصر اخلال الفوضي محل النظام و اشاعة حالة من الارتباك والضبابية و التوهان وفقدان البوصلة و الشعور بان المصير مجهول.
* الغاء كل القوانين السائدة وتلفيق قوانين كيفما اتفق يعني الغاء تراث قانوني كامل واحلال تراث مجمد منذ ما يزيد عن الف عام ؟!!
القوانين الجديدة التي تم تشريعها اعتبارا من 1974م في عهد النميري ثم مثلت قوانين 1983م ذروة الانقلاب القانوني والذي تم فقط تكريسها اعتبارا من 1991 بدخول حقب اعادة صياغة المجتمع! وهي تمثل اساس ذلك البرنامج فعلاوة علي ما تمت الاشارة اليه من الغاء لمجمل التراث القانوني و من ثم اضحت المؤسسات و المجتمع بلا ثقل قانوني وبلا مرجعية يعتمد عليها فان القوانين الجديدة تمثل ظاهرة مستقلة تنبغي دراستها! ففي الشق المؤسساتي حفلت الدساتير اعتبارا من دستور 1973م الموصوف بالدائم 'وفي الحقيقة في السودان لا دائم الا وجه الله ' بمواد من شاكلة الاسلام هو دين رسمي للدولة و الشريعة مصدر القانون والتشريع والحاكمية لله ... الخ وهي عمليا ليست صيغ قانونية بل سياسية وايدولوجيا وهي نصوص تنفتح علي مصراعيها لكل القراءات، بينما تمثل القوانين المدنية كارثة مدنية اذ تحفل بنصوص لا مكان لتطبيقها علي البيوع وحتي في العلاقات الاسرية فيما يمثل القانون الجنائي بابا بمفرده فبموجب الممارسة وبحكم طبيعته الجبرية نتجت عنه ظواهر وظواهر منها انه اصبح اشبه بقوانين الطوائف الخاصة كل شئ قابل فيه للمساومة والصلح وايقاع العقوبات من الاعدام الي الغرامة والتعويض رهن بمشيئة المجني عليه! هذا اضافة الي اقحام فصول منه تحوله من كونه قانون عام الي كونه قانون اخلاقي يقحم نفسه في شؤون الناس و حياتهم في أدق تفاصيلها وفيما يختص بالمرأة يحكم حتي ما تلبسه و طريقة مشيتها في الطريق وسلوكياتها كلها فأي حركة او سكنة قد تضعها تحت طائلة القانون ومواد الافعال الفاضحة و الشروع في ممارسة الجنس و ممارسته الفعلية ووو كلها نصوص تخلق من اي اقتراب بين رجل و امراءة حالة اشتباه!! هذا الوضع يجعل المجتمع في حالة غير عادية من الطهرانية الزائفة و التجسس و الخوض في شؤون وخصوصيات الاخرين وكل فرد منشغل عن اولوياته بثانويات اذ ان الوضع القانوني الجديد بدل كل شئ وقلب الاجندة المجتمعية راسا علي عقب !!
* قلب المجتمع رأسا علي عقب كانت سياسة متعمدة للنظام الجديد ايضا في الشق السياسي و الحياة العادية بان يعمدوا الي الرموز المعروفة والقائدة للمجتمع علي المستوي القومي او المحلي الصغير وخفضها الي اسفل و رفع بديل من الاسفل الي مراكز القيادة 'الدينية والاجتماعية والاقتصادية و السياسية' ولتنفيذ هذه الغاية تمت محاربة قيادات الاحزاب و رجال الاعمال و زعامات الادارة الاهلية من نظار القبائل و شيوخها وعمدها و شيوخ الطوائف والطرق الصوفية و الجماعات الدينية و رؤساء الاندية و الاتحادات الرياضية ووو. وفي المقابل تمت صناعة ودعم رموز بديلة لتملأ الفراغ بعناصر موالية ومدينة كليا للنظام الجديد.
* تفريغ جهاز الدولة القضائي والعسكري و المدني والخدمي من العناصر ذات الرأي المستقل و النهج المستقيم و العزيمة و احلال عناصر رخوة و هشة مكانها يسهل توجيهها و لجمها لتكون طوع مشيئة التنظيم او العصابة الحاكمة.
* البرنامج /اعادة الصياغة/ يقتضي ايضا اضعاف العقول و افقادها القدرة علي التفكير المنطقي ولذا تم تطبيق سياسات لافراغ العملية التعليمية من اي مضمون؛ ولذا تم تعديل السلم التعليمي؛ و تبديل المناهج والمقررات؛ و تعريب التعليم العالي -الجامعي، و ايضا افراغ الاجهزة الاعلامية و الثقافية ( التلفزيون، والاذاعة، والصحف، والمسرح ، والسينما.. الخ ) من اي رسالة وتحويلها لأبواق تردد ببغائية خطاب لا تفهمه هي ذاتها.
* اقتضت اعادة الصياغة ايضا ضرب البني الحديثة ( المدنية، والنقابات، والاحزاب.. وضرب الطوائف والطرق الصوفية ايضا ) وجعل الناس يرتدون للولاءات ما قبل المدنية أي للقبيلة و العشيرة و البطون، و نشر التعصب الديني الهمجي وتقسيم الناس الي قسمين ( مسلمين وكفار ) لا غير ليضم قسم الكفار كل من يراد شيطنته (مسيحيين او صوفية او علمانيين او ليبراليين او شيوعيين او شيعة .. ).
السؤال المهم هو هل اكتملت وبنجاح عملية اعادة صياغة المجتمع ؟؟
اليوم و ربما منذ سنوات لم نعد نسمع عبارات من شاكلة ( اعادة صياغة المجتمع السوداني ) او المشروع الحضاري او المسيرة القاصدة الا احيانا و بصورة خجولة لا غير، وبلا شك فإن المجتمع وبطبيعة الحال قد تضرر جدا بسبب سياسات ( اعادة الصياغة ) وافرزت فئات لا تهتم بما يدور حولها، وكثيرون تأثروا بخطاب اعادة الصياغة و أضحت الغالبية اليوم تعلي من قيمة الثراء في حد ذاته بغض النظر عن خلفيات واسباب ذلك الثراء ومصادره، وتعلي من قيمة من يملكون الثروة او السلطة حتي علي حساب اهل العلم والمعرفة و الخبرة! كما سيطرت النزعات والنزاعات الاثنية والقبائلية عليه و انتشر التعصب الديني ايضا وهي كلها عوامل تصب في خانة تسهيل قبضة واستمرار النظام الذي غرس بذور الشتات والتعصب و الجهل..
لكن ليس من السهل القطع بالقول ان المجتمع تمت اعادة صياغته و قولبته وان البرنامج قد نجح تماما! لسبب بسيط هو ان المجتمعات البشرية لا يمكن تنميطها و والتعامل معها كسلعة او منتج وانما هي كيانات حيوية؛ حيوية البشر انفسهم و ان الانتفاض علي قيود الاوهام و التنميط يمكن ان تحدث في لحظة او برهة قليلة، ولا يمكن التنبوء بمتي و لا مدي التغيير، وطالما ان البرنامج 'اعادة صياغة المجتمع' هدفه التطبيع لما هو غير طبيعي فان الانقلاب علي سياساته والثورة عليه قد تحدث في اي لحظة لأنه في الختام لا يصح الا الصحيح ولن يستطيع كائن من كان خداع كل الناس وكل الوقت اذ سرعان ما يتكشف للكثيرين زيفه وخداعه الي ان يحين وقت انكشاف كذبه للجميع.
هذا البرنامج لم ينال حظه من البحث و القاء الضوء عليه وهو باعتقادي البرنامج الذي به سيطرت حركة تلاميذ الترابي علي المجتمع السوداني،
الي ان تجد حقبة 'اعادة صياغة المجتمع' حظها من التدقيق العلمي لمعرفة ما الذي حدث بالضبط و ما هي مساهمة كل مسؤول انقاذي في تلك الخطة الجهنمية. لا ضير من ابداء بعض المﻻحظات عليها:
* لا شك ان حكومة الاسلامويين استعانت بمختصين في وضع وتنفيذ خطتهم لاعادة صياغة المجتمع، مختصين في علم النفس والاجتماع وهي لم تلتزم باخلاقيات العلم والاخلاقيات المهنية بل تصرفت كعصابة جريمة منظمة ويمثل اختفاء الباحث الدكتور عمر خليفة استاذ علم النفس بجامعة الخرطوم مؤشر في هذا الاتجاه.
* بغرض تسهيل اعادة الصياغة تلك توجب تعليق العمل بالقانون والنظم واللوائح لتحل محلها كلمة احد النافذين، ولتصبح حياة المواطن متوقفة علي الحالة المزاجية لمن بيده الحل والعقد لا متوقفة علي قانون او لائحة او قرار حتي. بالمختصر اخلال الفوضي محل النظام و اشاعة حالة من الارتباك والضبابية و التوهان وفقدان البوصلة و الشعور بان المصير مجهول.
* الغاء كل القوانين السائدة وتلفيق قوانين كيفما اتفق يعني الغاء تراث قانوني كامل واحلال تراث مجمد منذ ما يزيد عن الف عام ؟!!
القوانين الجديدة التي تم تشريعها اعتبارا من 1974م في عهد النميري ثم مثلت قوانين 1983م ذروة الانقلاب القانوني والذي تم فقط تكريسها اعتبارا من 1991 بدخول حقب اعادة صياغة المجتمع! وهي تمثل اساس ذلك البرنامج فعلاوة علي ما تمت الاشارة اليه من الغاء لمجمل التراث القانوني و من ثم اضحت المؤسسات و المجتمع بلا ثقل قانوني وبلا مرجعية يعتمد عليها فان القوانين الجديدة تمثل ظاهرة مستقلة تنبغي دراستها! ففي الشق المؤسساتي حفلت الدساتير اعتبارا من دستور 1973م الموصوف بالدائم 'وفي الحقيقة في السودان لا دائم الا وجه الله ' بمواد من شاكلة الاسلام هو دين رسمي للدولة و الشريعة مصدر القانون والتشريع والحاكمية لله ... الخ وهي عمليا ليست صيغ قانونية بل سياسية وايدولوجيا وهي نصوص تنفتح علي مصراعيها لكل القراءات، بينما تمثل القوانين المدنية كارثة مدنية اذ تحفل بنصوص لا مكان لتطبيقها علي البيوع وحتي في العلاقات الاسرية فيما يمثل القانون الجنائي بابا بمفرده فبموجب الممارسة وبحكم طبيعته الجبرية نتجت عنه ظواهر وظواهر منها انه اصبح اشبه بقوانين الطوائف الخاصة كل شئ قابل فيه للمساومة والصلح وايقاع العقوبات من الاعدام الي الغرامة والتعويض رهن بمشيئة المجني عليه! هذا اضافة الي اقحام فصول منه تحوله من كونه قانون عام الي كونه قانون اخلاقي يقحم نفسه في شؤون الناس و حياتهم في أدق تفاصيلها وفيما يختص بالمرأة يحكم حتي ما تلبسه و طريقة مشيتها في الطريق وسلوكياتها كلها فأي حركة او سكنة قد تضعها تحت طائلة القانون ومواد الافعال الفاضحة و الشروع في ممارسة الجنس و ممارسته الفعلية ووو كلها نصوص تخلق من اي اقتراب بين رجل و امراءة حالة اشتباه!! هذا الوضع يجعل المجتمع في حالة غير عادية من الطهرانية الزائفة و التجسس و الخوض في شؤون وخصوصيات الاخرين وكل فرد منشغل عن اولوياته بثانويات اذ ان الوضع القانوني الجديد بدل كل شئ وقلب الاجندة المجتمعية راسا علي عقب !!
* قلب المجتمع رأسا علي عقب كانت سياسة متعمدة للنظام الجديد ايضا في الشق السياسي و الحياة العادية بان يعمدوا الي الرموز المعروفة والقائدة للمجتمع علي المستوي القومي او المحلي الصغير وخفضها الي اسفل و رفع بديل من الاسفل الي مراكز القيادة 'الدينية والاجتماعية والاقتصادية و السياسية' ولتنفيذ هذه الغاية تمت محاربة قيادات الاحزاب و رجال الاعمال و زعامات الادارة الاهلية من نظار القبائل و شيوخها وعمدها و شيوخ الطوائف والطرق الصوفية و الجماعات الدينية و رؤساء الاندية و الاتحادات الرياضية ووو. وفي المقابل تمت صناعة ودعم رموز بديلة لتملأ الفراغ بعناصر موالية ومدينة كليا للنظام الجديد.
* تفريغ جهاز الدولة القضائي والعسكري و المدني والخدمي من العناصر ذات الرأي المستقل و النهج المستقيم و العزيمة و احلال عناصر رخوة و هشة مكانها يسهل توجيهها و لجمها لتكون طوع مشيئة التنظيم او العصابة الحاكمة.
* البرنامج /اعادة الصياغة/ يقتضي ايضا اضعاف العقول و افقادها القدرة علي التفكير المنطقي ولذا تم تطبيق سياسات لافراغ العملية التعليمية من اي مضمون؛ ولذا تم تعديل السلم التعليمي؛ و تبديل المناهج والمقررات؛ و تعريب التعليم العالي -الجامعي، و ايضا افراغ الاجهزة الاعلامية و الثقافية ( التلفزيون، والاذاعة، والصحف، والمسرح ، والسينما.. الخ ) من اي رسالة وتحويلها لأبواق تردد ببغائية خطاب لا تفهمه هي ذاتها.
* اقتضت اعادة الصياغة ايضا ضرب البني الحديثة ( المدنية، والنقابات، والاحزاب.. وضرب الطوائف والطرق الصوفية ايضا ) وجعل الناس يرتدون للولاءات ما قبل المدنية أي للقبيلة و العشيرة و البطون، و نشر التعصب الديني الهمجي وتقسيم الناس الي قسمين ( مسلمين وكفار ) لا غير ليضم قسم الكفار كل من يراد شيطنته (مسيحيين او صوفية او علمانيين او ليبراليين او شيوعيين او شيعة .. ).
السؤال المهم هو هل اكتملت وبنجاح عملية اعادة صياغة المجتمع ؟؟
اليوم و ربما منذ سنوات لم نعد نسمع عبارات من شاكلة ( اعادة صياغة المجتمع السوداني ) او المشروع الحضاري او المسيرة القاصدة الا احيانا و بصورة خجولة لا غير، وبلا شك فإن المجتمع وبطبيعة الحال قد تضرر جدا بسبب سياسات ( اعادة الصياغة ) وافرزت فئات لا تهتم بما يدور حولها، وكثيرون تأثروا بخطاب اعادة الصياغة و أضحت الغالبية اليوم تعلي من قيمة الثراء في حد ذاته بغض النظر عن خلفيات واسباب ذلك الثراء ومصادره، وتعلي من قيمة من يملكون الثروة او السلطة حتي علي حساب اهل العلم والمعرفة و الخبرة! كما سيطرت النزعات والنزاعات الاثنية والقبائلية عليه و انتشر التعصب الديني ايضا وهي كلها عوامل تصب في خانة تسهيل قبضة واستمرار النظام الذي غرس بذور الشتات والتعصب و الجهل..
لكن ليس من السهل القطع بالقول ان المجتمع تمت اعادة صياغته و قولبته وان البرنامج قد نجح تماما! لسبب بسيط هو ان المجتمعات البشرية لا يمكن تنميطها و والتعامل معها كسلعة او منتج وانما هي كيانات حيوية؛ حيوية البشر انفسهم و ان الانتفاض علي قيود الاوهام و التنميط يمكن ان تحدث في لحظة او برهة قليلة، ولا يمكن التنبوء بمتي و لا مدي التغيير، وطالما ان البرنامج 'اعادة صياغة المجتمع' هدفه التطبيع لما هو غير طبيعي فان الانقلاب علي سياساته والثورة عليه قد تحدث في اي لحظة لأنه في الختام لا يصح الا الصحيح ولن يستطيع كائن من كان خداع كل الناس وكل الوقت اذ سرعان ما يتكشف للكثيرين زيفه وخداعه الي ان يحين وقت انكشاف كذبه للجميع.
تعليقات
إرسال تعليق