التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين النقابة والحزب

  رغم تجربتنا السودانية القديمة والطويلة في العمل الحزبي والنقابي (طويلة برغم فترات الانقطاع المتكررة) الا ان وعينا بشروطها ومقتضياتها ليس بالعمق الكافي، معظم قيادات ذاك العمل الحزبي و النقابي وحتي بعض المراقبين يبررون هذه السطحية و الهشاشة بفترات الانقطاع علي يد الانظمة العسكرية او الديكتاتوريات المدنية (كنظام البشير، الذي يمثل مزيج بين العسكري والمدني الا ان المدني عليه غالب بحكم ان النافذين فيه بل وحتي الذين خططوا له ونفذوه هم جماعة الاسلامويين).
  بنظري ان هذا مبرر العاجزين و هو غير مقبول البتة.
فالتداخلات والتقاطعات بين الاحزاب والتنظيمات العمالية اضرت بالحياة السياسية و الاجتماعية ايضا و في النهاية انتهينا الي بلد تنعدم فيه الحياة السياسية و تتدهور فيه حقوق العمال لتصل الي الحضيض ما اقعد بالاقتصاد و عطل الانتاج.
  لم تهتم الاحزاب و لا القيادات النقابية ولا المراقبين برسم وتوضيح الحدود بين ما هو سياسي وبين ما هو نقابي، كل اهتم بتعظيم كسبه (الجماهيرية) وكان ذلك علي حساب مصلحة الجمهور ذاته.
  الاحزاب ميدانها الشأن العام وهدفها الحكم لتحقيق رسالتها علي المستوي الوطني بينما النقابات ميدانها ساحات العمل الاقتصادي والانتاجي وسط العمال علي اختلاف تقسيماتهم و هدفها مصلحة عضويتها في العدالة الحقوقية الاقتصادية والاجتماعية ومن ثم تحقيق اعلي انتاجية وصولا للطفرة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي المنشود من الكافة.
  بالتعريف اعلاه كان ينبغي علي الاحزاب ان تنأي بنفسها عن تنظيمات العمل وعن انتخاباتها النقابية فلا تتدخل فيها بسياستها التنظيمية المباشرة وانما تكتفي بالتأثير غير المباشر عبر خطابها التوعوي العام، وان تنأي ايضا الحكومات عن التدخل في عمل النقابات و تتجنب قمعها وتدجينها وتسيسها.
  فالنقابة تعبر عن مصلحة العمال (جميع العمال) وحقوقهم المتعلقة بمهنتهم ايا كانت، اي هي تنظيم مهني عليه ان يلتزم بالمهنية لأقصي حد ممكن و يتجنب التسيس ما امكن، فالعامل لا تهمه السياسة و لا يشترط ان تهمه وانما تهمه مصلحته (ومصلحة زملاءه ) وعبر تلك المصلحة تنبثق المصلحة القومية وليس العكس.
  كان للحزب الشيوعي السوداني نصيب الاسد (من حيث يدري أو ربما لايدري) من افساد العمل النقابي و من ثم الحياة العامة برمتها، فهو بطبيعته كحزب ايدولوجي (شمولي) ارتبط ارتباطا جزافيا بطبقة العمال ونصب نفسه مدافعا اوحد عن العمال بل و وصيا عليها! وكانت قياداته ( قيادات العمال في نفس الوقت ) لا تخفي التزامها الشيوعي بل ولا تميز بين الالتزامات النقابية وتلك الحزبية و تسعي جهدها لتجيير مكتسبات و مقدرات النقابة لصالح الحزب.
  هذا الوضع خلق وعي مزيف وتصور خاطئ لدي كل المنشغلين بالشأن العام و اضحوا لا يفرقون بين النقابات وغيرها ولذا وجهت حكومة النميري ضربات قاتلات للنقابات لظنها انها بذا تضرب الحزب الشيوعي و بالمثل هدفت حكومة الاسلامويين لتجيير النقابات لصالحها و جعلها موالية وتابعة للسلطة السياسية والتنظيم السيسي القابض!
  ان تصحيح وضع النقابات يجب ان يكون اولوية مقدمة حتي علي اصلاح الاحزاب اذ لا انتاج بلا نقابات تؤدي مهام مطلبية صرفة، ولا حياة اقتصادية واجتماعية بلا انتاج، ولا بيئة سياسية بلا حياة اجتماعية واقتصادية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...