التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تنظيمات الطلبة.. الحقوق والسياسة والعنف المميت

  ثمة ربط مخل في الجامعات السودانية بين الشأن العام الطلابي ( الحق في تكوين اتحادات وروابط ) وبين الشأن السياسي الوطني.
  حق الطلاب في تنظيم انفسهم و المطالبة بحقوقهم يجب ان يكون مكفول دوما، ومن حقهم ممارسة حرية الاجتماع و التجمع والتنظيم ومايستتبع ذلك من عقد مؤتمرات وندوات واجتماعات عامة ومخاطبات. اما ممارسة العمل التنظيمي السياسي داخل الجامعات فهو لا يدخل ضمن تلك الحريات او الحقوق، فالجامعات اماكن للبحث العلمي وتلقي المعرفة وليست اماكن لممارسة العمل السياسي بأي حال من الاحوال، فالسياسة مكانها الشارع العام و البرلمان ودور الاحزاب لا ردهات او قاعات العلم،
  ان اقحام النشاط السياسي المنظم داخل الجامعات بالكيفية المعروفة في السودان يدخل في نطاق الاختلال والفوضي التي تضرب باطنابها في كافة مناحي الحياة السودانية منذ الاستقلال والي يومنا..
فكل الاحزاب تحرص علي ان يكون لها أفرع و ازرع داخل الجامعات تمارس العمل السياسي باسمها وسط الطلاب وتسعي لتمثيل الطلاب سياسيا عبر شغر مقاعد اتحاداتهم بعناصر طلابية متحزبة!
  ان دور اتحادات الطلاب هو تمثيل الطلاب ( علميا/اكاديميا، واجتماعيا، وثقافيا ) لا تمثيلهم سياسيا. طبعا مع الاقرار بأن الجامعة برمتها منطقة خاليا من التسيس من قمة هرم ادارتها الي ادني قاعدته، فالجامعات مؤسسات معرفية علمية ينبغي ان تكفل لها الاستقلالية التامة اداريا و فنيا و الا تتدخل الحكومات في شؤونها بأي شكل من الاشكال، اذ يجب ان تكون الجامعات مجتمعات مستقلة لها قانونها الذي يحكم الانتماء لها و يحكم ادارتها، وهو مجتمع يقرر بارادته من يدير شؤونه لا ان يتم تعيينهم سياسيا كما هو حادث الأن!
  ما يحدث هنا يمكن تبسيطه كالتالي:( تسيطر الحكومات علي الشارع العام وتضيق المساحات علي الاحزاب وتصادر الحريات الديمقراطية؛ فتلجأ تلك الاحزاب الي الجامعات لتستغل هامش الحرية المتاح لطلبتها، فتأتي الانظمة القمعية خلفها و تتوغل ايضا في الحامعات فتعصف باستقلالها، وتخسر البلاد قيمة كبيرة هي حرية البحث العلمي واستقلال مؤسسات مهمة يتم فيها انتاج المستقبل ماديا ومعنويا /بشريا و معرفيا).
  ان حق الطلاب في تنظيم انفسهم و تعلم اصول المطالبة بالحقوق و حماية المكتسبات تكفل لهم حق العمل الطلابي النقابي وليس السياسي، فالعمل النقابي في الجامعات يعتبر من الانشطة اللاصفية المكملة لرسالة الجامعة، فيما لا يعد العمل الحزبي والسياسي نشاطا لاصفيا!! فالسياسة ليست شأنا يستهوي كل الناس فينشطون فيه بفعالية و انما شأن تقوم به النخب السياسية فقط وبالتالي ما من الزام لاقحامه في ردهات الجامعات، وان كانت الجامعات مستقلة ( وهكذا يجب ان تكون) فليس مناسبا ان يتعاطي الطلاب سياسيا مع ادارات محايدة سياسيا و غير منحازة و مهنية.
  لذا لا يجب السماح بتكوين افرع للاحزاب داخل الجامعات و منحها حق التحدث امام الادارة بلسان الطلاب! وعلي الاحزاب من تلقأ نفسها ان تمتنع عن تلك الممارسة الشائهة تماما كما تمتنع عن تكوين خلايا تنظيمية لها في اجهزة الحكم (الجيش و القوات النظامية الاخري والخدمة المدنية) فكل تلك المؤسسات ينبغي ان تظل اجهزة ادارة لا اجهزة حكم سياسي ويجب ان تكون محايدة سياسيا ومستقلة و مهنية بعيدة عن الغرض و المصالح الحزبية.
  بالطبع لا يجب ان يفهم من كلامنا هذا ان تكون الجامعات اديرة خالية من السياسة اذ من حق تنظيمات الطلبة (اتحاداتهم وروابطهم) تنظيم و استضافة السياسيين و قادة الاحزاب لمناقشتهم في ندوات او محاضرات لاكساب الطلاب وعي سياسي وتنمية حسهم ومهاراتهم واعدادهم لما بعد التخرج.
  ان هذا الوضع  الشائه هو المسؤول عن ظاهرة العنف التي تدور عجلتها بين كل مناسبة والاخري في مختلف جامعات السودان والمسؤول عن عشرات الارواح البريئة التي تهدر علي مذبح السياسة الخرقاء في هذا القطر. وهو المسؤول كذلك عن مئات التنفيذيين من نواب و وزراء و مستشارين و برلمانيين ممن لا خبرة لهم في السياسة ولا العمل العام الا عضوية اتحادات الطلاب و تنظيمات الجامعة.
  هذا بدوره ( ظاهرة المسؤولين الذي ولجوا السياسة من باب خاطئ) اسهم ويسهم في تعقيد ازمتنا الوطنية؛ حيث ان بداياتهم خاطئة و مقدماتهم معوجة فلن تستقيم نتائجهم ولا يمكن ان يرجي منهم صلاح ولا اصلاح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...