التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين التسيس و الذاتية: المجتمع المدني السوداني

   اصلاح الحياة العامة واصحاح البيئة السياسية لن يكتمل الا بخوض وحل المجتمع المدني السوداني خاصة شقه المتصل بالعمل الطوعي الانساني.. وان كان المجتمع السودان بالمجمل قد تضرر من عقود حكم البشير واخوانه، فإن المحتمع المدني ناله قدر اكبر من الضرر، فاولا هو مجتمع بالشكل الحديث لا يزال طارئا لم تترسخ اقدامه بعد لذا كان اثر سياسات السلطة عليه قاتلا، ثانيا مثل المجتمع المدني اعتبارا من 30 يونيو 89 ملاذا لعدد كبير من الكوادر الحزبية خصوصا وغيرها ممن الجأتهم سياسة النظام القابضة التي احتكرت وظائف الدولة و القطاع الخاص و حتي سوق التجارة و شردت و حرمت الكثيرين من وظائفهم و من اي فرصة في ايجاد مصدر رزق فجاءوا للمجتمع المدني بعقلية الدولة والقطاع الربحي.
ثالثا مثل ايضا غطاءا مناسبا للقوي السياسية (الاحزاب) ايام حظر النشاط السياسي و (حل الاحزاب) لممارسة العمل السياسي التنظيمي تحت ستار منظمات المجتمع المدني..
  كل تلك العوامل مثلت خصما علي طبيعة و مميزات و اهداف منظمات المجتمع المدني وعلي العمل الطوعي (الخيري)، واصابته بامراض جهاز الدولة (البروقراطية.. الخ) و امراض القطاع الخاص (الفردية و قصر النظر وانعدام الافق وغياب التخطيط) وامراض التنظيمات السياسية.
  ورغم ان السودان بما يعنيه من نزاعات و حروب اهلية و كوارث طبيعية 'جفاف، سيول و فيضانات' في امس الحاجة لمجتمع مدني فاعل و مبادر وخلاق، الا انه للأسف ما من منظمات وطنية بحجم الفجائع الحادثة بل يمثل السودان فقط مستقبل كبير لخدمات المنظمات الدولية، وهو فوق ذلك ليس صديق لتلك المنظمات وليس مرحب بها علي اﻷقل في المستوي الرسمي اذ دائما ما تطردها الحكومة بحجة التعامل مع المعارضة المسلحة او التجسس!
  لقد تغولت الحكومة علي عمل المنظمات القديمة 'الهلال الاحمر مثلا' فجيرتها لصالحها بينما تمثل منظمة الدعوة الاسلامية ذراع من اذرع التنظيم الاسلامي 'الداعم للنظام!!' و واجهة من واجهات المؤتمر الوطني الحاكم.
بينما تمثل المنظمات الوطنية علي قلتها وضعفها مجرد معاون للمنظمات الاجنبية و مقاول من الباطن تعتمد عليها بصورة كاملة وبنسبة قد تصل ل 100% !! سيما في مجال التمويل وحتي التخطيط، فهي لا تملك من امر نفسها شئ ولا تستطيع ان تقرر بشأن الاولويات.
  ان معظم قادة منظمات المجتمع المدني لا يعلمون ان معيار نجاح المنظمة هو الاستقلالية والتي لن تتأتي الا بتنويع مصادر تمويلها والبحث عن مانحيين ومتبرعين داخليين وليس البحث عن تمويل من رصيفاتها الغربيات مشروط بالمشاريع التي تقررها المنظمات الممولة، وما لم توفر المنظمات الوطنية مصدر تمويل وطني  او المستقل فلن تستطيع تحقيق اهداف وطنية نابعة عن حاجة فعلية لمواطنيها و لإرادة مؤسسيها و ستبقي مجرد شريك ثانوي مفروض فرضا علي نظيراتها الاجنبية.
  ان لا مبدئية الحكومة تجاه المجتمع المدني مفهومة ولا تبرر بحال لا مبدئية المعارضين. ولا تبرر ايضا لا مبدئية قيادات العمل الطوعي والانساني.
  اصلاح المنظمات المدنية لا يمكن ان يتم الا بمراعاة شروط ومقتضيات العمل المدني المتمثلة في عدم التسيس و عدم التحيز في التبرعات و المساعدات والتشغيل علي اساس الدين او الجنس او الرأي السياسي او العرق. و تبني الحوكمة والمؤسسية في ادارة المنظمات حتي تكون المنظمة واجهة معبرة عن ارادة خيرة مجتمعية لا ارادة فردية لشخص او مجموعة ضيقة وصغيرة من الاشخاص حتي لا تغلب المصلحة الشخصية علي النفع العام، وحتي تكون لها الشخصية الاعتبارية والصفة التعاقبية اي تكون لها القدرة علي الاستمرار ولا تكون دورة حياتها متوقفة علي مشيئة او حياة شخص او اشخاص .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...