المشروع الذي كان سائدا في السودان قبل 83-1989م هو الاسلام الشعبي الملفق من دلائل الخيرات و الالفية ومختصر الخليل و بعض اوراد الصالحين وغير الصالحين 'المولد والبراق و راتب المهدي'، ومن قصص وروايات عن بعضهم ك'الولي' محمد الهميم الذي جمع بين الاختين في زوجية واحدة والقاضي 'دشين' قاضي العدالة الذي فسخ ذلك الزواج 'رغم فسخ الولي لجلده'!! ومن اراء بعض فقهاء السودان الازهريين 'واردي الازهر الشريف' وقد كان حاكما علي المستوي الاجتماعي فقط 'القضاء الشرعي و اديرة المتصوفة/ المسائد و الخلاوي وخطب الجمعة والاعياد والمولد..' وقد ساد لقرون عديدة منذ تأسيس سلطنة سنار والتي تعد بامتياز دولة المتصوفة اذ انحصر نفوذ سلاطينه في امور الحرب و قليل من مظاهر الادارة فيما كانت سلطة الصوفية ممتدة في كل المجال الروحي والاجتماعي و الاقتصادي ايضا اذ كانت لهم اقطاعياتهم و اموالهم و خلاويهم 'مؤسسات التعليم الديني و الشعبي' كما امتد وجودهم مكانيا بصورة اوسع في كل اقاليم السلطنة في الجزيرة و الشرق والشمال و كردفان وجبال تقلي 'النوبة' في كل السهول والوديان و رؤوس الجبال
اما بعد ذلك فان المشروع الذي ساد هو مشروع الاسلام الوافد 'اسلام رياض الصالحين و منهاج المسلم' اسلام حسن البنا وسيد قطب وحسن الترابي، اسلام الاخوان المسلمين وارد مصر ايضا!
وهو يختلف عن الاسلام الشعبي في كونه لم يسد في الفضاء الاجتماعي وحده انما غشي كل المجالات من التعليم الي الاعلام، و من المساجد الي المحاكم، و من مجالس الأنس الي البرلمان، ومن الاسواق الطرفية الي اسواق الاوراق المالية، و من مؤسسات المجتمع المدني الي مؤسسات الدولة بخدمتها المدنية والعسكرية، ومن قاع المجتمع الي قمة نخبه في مراكز الثقافة و الفكر ..
ويختلف ايضا في انه لم يلفق محليا وانما تم تلفيقه في مصر و في الخليج احيانا و الغرب ايضا ولم يسهم 'المحليون' الا بجهد المقل الذي ينحصر في فتاوي وتعليقات حسن الترابي وحده بينما لم يسهم اقرانه و 'حيرانه' بشئ يذكر!!
اذا فالتحول والتبدل الذي حدث في المجتمع والدولة السودانية منذ 83-89 ويلخصه الحال الراهن هو مسؤولية مشروع الاسلام الوافد 'الاسلام السياسي السوداني' الذي تبنته و روجت له جماعة اخوان السودان 'الاخوان المسلمين، جبهة الميثاق الاسلامي، الجبهة الاسلامية القومية.. الحركة الاسلامية عرابة انقلاب الانقاذ الحاكم حتي تاريخه - والمؤتمر الوطني الذي آخر تجلياته التنظيمية!'
فيما مثل المشروع الحضاري الاطار الكلي والذي اسفر عن عدة امور معظمها صادم منها ان خريطة السودان التي كانت مألوفة لقرون قد تبدلت وان السودان ارضا وشعبا ما عاد هو؛ والدولة والمجتمع الأن بمواجهة سؤال وجودي 'تكون او لا تكون' و للأسف في ظل حالة توهان وطني بحيث ما من احد ولا جهة قادر علي الاجابة عن ذاك السؤال الوجودي، بل وغير قادرين حتي عن ادراك كنهه!
ثمة مفارقتان في المقارنة بين الاسلام الشعبي/الاجتماعي و الاسلام الوافد/ السياسي، احداهما طريفة و الاخري مأساوية. نبدأ بالطريفة؟! الاسلام الشعبي له رموز وقيادات تتمثل في بيوت دينية منها المهدي والمرغني والهندي و ود حسونة وارباب العقائد، واحد اهم تلك الرموز كان الشيخ حمد الشهير بالنحلان والمكني 'ود الترابي'، و الغريب ان حفيده الراحل 'الدكتور القادم من السوربون والشيخ الاخواني' حسن عبدالله الترابي هو اهم رموز عصر الاسلام الوافد!!
اما المحزن والمأساوي هو ان كل التحولات المهمة في عهد الاسلام الشعبي تمت بتدخل خارجي 'غزو واجتياح واحتلال' فحملة محمد علي بك الكبير 'والي مصر' كانت التحول الاول في عصر سيادة الاسلام الشعبي و ادخلت قدر من التحديثات المدنية و العصرنة فيما اعادت المهدية المجتمع الي سابق عهده 'خرافات الاسلام الشعبي' ثم كانت حملة اللورد كتشنر 'الحملة الانجليزية المصرية' وبداية عهد الحكم الثنائي الانجليزي-المصري هي نقطة التحول الاهم والتي الحقت السودان بركب الامم والدول المعاصرة و وضعت اهم لبنات الدولة والمجتمع التي يعتمد عليها كليا اليوم، واليوم الدولة والمجتمع السوداني في لحظة ضعف شبيهة بما كانت عليه قبل الغزو التركي-المصري 1821م والانجليزي-المصري 1899م و بذات القابلية للاجتياح والتغيير! لكن العالم تغير و علي ما يبدو لم نتغير نحن! فما من احد علي استعداد لتحمل كلفة و تبعة احتلال السودان لانجاز التحول المدني الثالث وعلي السودانيين الاعتماد علي انفسهم للقيام باللازم.
اما بعد ذلك فان المشروع الذي ساد هو مشروع الاسلام الوافد 'اسلام رياض الصالحين و منهاج المسلم' اسلام حسن البنا وسيد قطب وحسن الترابي، اسلام الاخوان المسلمين وارد مصر ايضا!
وهو يختلف عن الاسلام الشعبي في كونه لم يسد في الفضاء الاجتماعي وحده انما غشي كل المجالات من التعليم الي الاعلام، و من المساجد الي المحاكم، و من مجالس الأنس الي البرلمان، ومن الاسواق الطرفية الي اسواق الاوراق المالية، و من مؤسسات المجتمع المدني الي مؤسسات الدولة بخدمتها المدنية والعسكرية، ومن قاع المجتمع الي قمة نخبه في مراكز الثقافة و الفكر ..
ويختلف ايضا في انه لم يلفق محليا وانما تم تلفيقه في مصر و في الخليج احيانا و الغرب ايضا ولم يسهم 'المحليون' الا بجهد المقل الذي ينحصر في فتاوي وتعليقات حسن الترابي وحده بينما لم يسهم اقرانه و 'حيرانه' بشئ يذكر!!
اذا فالتحول والتبدل الذي حدث في المجتمع والدولة السودانية منذ 83-89 ويلخصه الحال الراهن هو مسؤولية مشروع الاسلام الوافد 'الاسلام السياسي السوداني' الذي تبنته و روجت له جماعة اخوان السودان 'الاخوان المسلمين، جبهة الميثاق الاسلامي، الجبهة الاسلامية القومية.. الحركة الاسلامية عرابة انقلاب الانقاذ الحاكم حتي تاريخه - والمؤتمر الوطني الذي آخر تجلياته التنظيمية!'
فيما مثل المشروع الحضاري الاطار الكلي والذي اسفر عن عدة امور معظمها صادم منها ان خريطة السودان التي كانت مألوفة لقرون قد تبدلت وان السودان ارضا وشعبا ما عاد هو؛ والدولة والمجتمع الأن بمواجهة سؤال وجودي 'تكون او لا تكون' و للأسف في ظل حالة توهان وطني بحيث ما من احد ولا جهة قادر علي الاجابة عن ذاك السؤال الوجودي، بل وغير قادرين حتي عن ادراك كنهه!
ثمة مفارقتان في المقارنة بين الاسلام الشعبي/الاجتماعي و الاسلام الوافد/ السياسي، احداهما طريفة و الاخري مأساوية. نبدأ بالطريفة؟! الاسلام الشعبي له رموز وقيادات تتمثل في بيوت دينية منها المهدي والمرغني والهندي و ود حسونة وارباب العقائد، واحد اهم تلك الرموز كان الشيخ حمد الشهير بالنحلان والمكني 'ود الترابي'، و الغريب ان حفيده الراحل 'الدكتور القادم من السوربون والشيخ الاخواني' حسن عبدالله الترابي هو اهم رموز عصر الاسلام الوافد!!
اما المحزن والمأساوي هو ان كل التحولات المهمة في عهد الاسلام الشعبي تمت بتدخل خارجي 'غزو واجتياح واحتلال' فحملة محمد علي بك الكبير 'والي مصر' كانت التحول الاول في عصر سيادة الاسلام الشعبي و ادخلت قدر من التحديثات المدنية و العصرنة فيما اعادت المهدية المجتمع الي سابق عهده 'خرافات الاسلام الشعبي' ثم كانت حملة اللورد كتشنر 'الحملة الانجليزية المصرية' وبداية عهد الحكم الثنائي الانجليزي-المصري هي نقطة التحول الاهم والتي الحقت السودان بركب الامم والدول المعاصرة و وضعت اهم لبنات الدولة والمجتمع التي يعتمد عليها كليا اليوم، واليوم الدولة والمجتمع السوداني في لحظة ضعف شبيهة بما كانت عليه قبل الغزو التركي-المصري 1821م والانجليزي-المصري 1899م و بذات القابلية للاجتياح والتغيير! لكن العالم تغير و علي ما يبدو لم نتغير نحن! فما من احد علي استعداد لتحمل كلفة و تبعة احتلال السودان لانجاز التحول المدني الثالث وعلي السودانيين الاعتماد علي انفسهم للقيام باللازم.
تعليقات
إرسال تعليق