التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السودان، القرن الافريقي، والازمة الخليجية

  لم تشهد العلاقة السودانية الخليجية اية نوع او مستويات من التوتر قبل وصول البشير وجماعة الأخوان للسلطة فيه عام 1989م، فقبل ذلك التاريخ كان السودان بالنسبة لحكومات دول الخليج مخزن للمورد البشري المؤهل تأهيلا وسيطا تحتاجه لا سيما في مجالات التعليم و الصحة و اعمال الحكومات المحلية والاشغال الادارية 'المحاسبة والسكرتارية والترجمات..الخ'
  اما بالنسبة للسودان كان الخليج سوق عمل واعدة انقذت البلاد من معدلات بطالة غير مسبوقة نتيجة للازمات والحروب وفشل الحكم، كما مثل للحكومات السودانية مصدرا متاحا للهبات والقروض والودائع المالية عند الحاجة ..
  علي هذا الحال وتلك الوتائر كانت الاحوال تتهادي حتي وصول جماعة الاخوان السودانية 'التي لقيت دعم في حقبة الستينات الي نهاية الثمانينات من حكومات الخليج ذاته' تصادف مع ذاك وقوع عدوان نظام صدام حسين البعثي العراقي علي الكويت، وتشكلت حينها جبهتان معارضة للعدوان وداعمة له!!
  ولأن الحكام جدد كليا وعديمي خبرة، ولأنه جاء بانقلاب 'استخدام القوة' كان مساندا لاستخدام القوة دوليا! ولأن الاخوان والبعث مدرستان متقاربتان في الفكر التنظيمي والسياسي وجد السودان نفسه في حلف مع حكومة البعث العراقية!
  منذ ذلك التاريخ ساءت علاقة الحكومة السودانية بكل حكومات دول الخليج، انعدمت المعونات والقروض وتقلصت المساعدات حتي حال النكبات الطبيعية و كما قل الطلب علي العمالة السودانية وتقلص الدعم السياسي ايضا الي حده الأدني..
  لم يحدث اي تحسن الا من جانب دولة واحدة هي قطر وفي النصف الثاني من عقد التسعينات عقب وصول الامير حمد لعرش الامارة و بروز نزوع الدوحة لدعم تيارات الاسلام السياسي بشقيه المعتدل والمتشدد!!
  مثلت قطر ظهير كان حكم 'اسلاميو الخرطوم' في امس الحوجة له، ماليا و سياسيا بحكم العلاقة الحميمة بين الدوحة و واشنطون و عواصم غربية اخري،
فيما بقيت العلاقة مع بقيت عواصم الخليج علي حال الجمود حتي اندلعت احتجاجات الربيع العربي و وتلاشي الخارطة القديمة لتحالفات الانظمة والحكومات فأخذت جهات اقليمية و دولية في رسم خرط تحالفات ومحاور جديدة..
  احتاجت بعض تلك الخرط الي عمل عسكري واضح فخاضت السعودية بحلف خليجي 'اسلامي' حرب في اليمن اعتبارا من مارس 2015 و من بوابة تلك الحرب كانت عودة نظام الخرطوم لتطبيع علاقاته مع بقية دول الخليج 'السعودية و الامارات والكويت والبحرين'، فتم ارسال جنود من الجيش ومن قوات الدعمم السريع 'المليشيا التي تأسست لدعم الحكومة في دارفور' لليمن و حينها حدث تحسن ملحوظ في علاقة الخرطوم بالرياض وابوظبي تحديدا..
  لكن لسوء حظ اخوان البشير في السودان حدثت الأزمة الدبلوماسية والقطيعة للعميقة بين قطر 'الحليف القديم لاخوان السودان' من جانب، والسعودية والامارات والبحرين ومصر من جانب ثاني، وما عاد بعدها الحضن الخليجي موحدا حتي ترمي حكومة البشير همومها الاقتصادية 'خصوصا' والسياسية!
  لم تفهم الخرطوم تلك الازمة الخليجية ولذا لم تحسن التعامل معها، فهي تتحدث بلسان تظنه دبلوماسيا و تقول انها تقف علي مسافة واحدة من كل الاطراف وتدعم مبادرة امير الكويت لتحقيق تصالح بين الاطراف فيما يمنعها الهوي الايدلوجي من السير علي سراط الحياد ذاك حتي نهايته!! فميلها لنهج التنظيم الدولي و هواها الذي يميل بها ناحية الدوحة وانقرا دائما لكنها تعود وتذكر ان الهوي الايدولوجي لم يغني يسمن في ازماتها السابقة والمقيمة فتعود ادراجها ناحية الرياض وابوظبي!!
  علي هذا الحال من المراوحة بقيت الخرطوم طوال ايام وشهور الازمة، ومن المتوقع ان تطول شهورها لسبب اساسي هو ان قطر 'الطرف الرئيس في الازمة' تفتقد الان لحكمة 'عهد الاخوة' فقد اقدمت بلا تروي علي احداث نقلات سياسية غير مدروسة من جيل الاخوة الذي مثله في قطر الامير خليفة بن حمد الي جيل الابناء ثم جيل الاحفاد واحتاجت لاحلاف ايدولوجية 'الاسلام السياسي الاخواني' و عسكرية ايضا 'القيادة الوسطي الامريكية' لتثبيت تلك النقلات!
ولو حدثت تلك الازمة في عهد الامراء القدامي لما احتاجت كل هذا الوقت و لما اعيت الوسطاء بما فيهم الرئيس الامريكي بل لطار الامير من الدوحة الي الرياض مباشرة و في جلسة واحدة ابرم عهدا جديدا!!
ان تطاول عهد الازمة و توهان الحكومة السودانية بين اطرافها سيؤجل اعادة العلاقة السودانية الخليجية لسابق عهدها برغم التضحية والخسائر في اليمن!
بعض ما قيل عن السودان ينطبق علي بقية دول القرن الافريقي، لكن لحسن حظ تلك الدول لم يكن الخليج علي رأس اولويات سياسته الخارجية، ولم تكن هي علي اهمية استراتيجية بالنسبة للسياسة الخليجية ايضا، الاعتبارات الاقتصادية لشعوب القرن الافريقي كانت هي الطاغية؛ فالخليج سوق عمل كبيرة وغنية بالنسبة للعمالة الماهرة وغير الماهرة..
  كان الخليج بعيد عن المنطقة وازماتها برغم القرب الجغرافي !! بعيد عن الصومال وتداعي دولته وبعيد عن اثيوبيا و انفصال ارتيريا و السودان واستقلال جنوبه!! بينما للأسف كان هناك تأثير بعضه غير مباشر 'اجتماعي' اكثر من كونه سياسي يتمثل في تنامي تيار الاسلام السياسي في القرن الافريقي 'الاخوان المسلمين وانصار السنة المحمدية في السودان والمحاكم الشرعية و جماعة شباب المجاهدين في الصومال وتيارات اخوانجية في ارتيريا واثيوبيا..'.
اﻷن ومع اندلاع الخلاف الخليجي شرعت انظمة خليجية في نقل صراعها الي دول القرن الهشة 'الصومال و جيبوتي تحديدا' مع مساعي لاستقطاب انظمة وحكومات بقية البلدان لهذا المحور او ذاك!
تمثل اديس اببا العاصمة الاثيوبية هدفا كبيرا خصوصا في ظلال الخلاف مع مصر 'محسوبة علي محور الرياض-ابوظبي' بشأن سد النهضة علي النيل؛ هدفا لكلا المحورين واقرب لمحور الدوحة بحكم استحكام الخلاف مع القاهرة، لكن الأمل يبقي في حكمة الدبلوماسية الاثيوبية وقدرتها في توظيف التدخلات التركية القطرية في سياق دعم دولي لاثيوبيا وليس خصما علي الرياض وابوظبي و القاهرة نفسها.
قد يمثل الاستقطاب خيار جيد لبعض حكومات المنطقة باعتباره افضل من حالة الاهمال القديمة، لكن بطبيعة الاحوال الاهمال افضل من التذكر في اوان النزاعات!
لا خوف علي الانظمة المستقرة والحكومات القوية في القرن الافريقي من تداعيات الازمة لكن الخوف كله في حالة الصومال الذي اخذ يتعافي من ازمته مع امل في استعادة وحدة ترابه؛ لكن في ظل الاستقطاب بين محوري انقرا-الدوحة و الرياض-ابوظبي فان تجدد النزاع و تجييش المليشا لصالح هذا المحور او ذاك وتدفق اموال المخابرات قد يسهم في اعادة الازمة لطور الانفلات، لذا ينعقد الامل علي حكمة 'شيوخ' الصومال لا شباب 'المجاهدين' في النأي بالصومال عن الصراع الخارجي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...