العقل الجمعي مصطلح اطلق ليعبر مجازا عن مجموعة عقول تتشارك محددات معينة و طرائق تفكير متقاربة؛ لكن كثرة استخدامه في صحافتنا المحلية خلال العقدين الماضيين حوله من المجاز الي المعني الاصيل والحقيقي! اصبحنا نتحدث عن عقل جمعي وكأننا نتحدث عن حقيقة علمية مثبتة! ولاحقا اسقط البعض مفردة جمعي ونفذوا مباشرة الي صفات اخري منها 'الرعوية' فحدثونا عن العقل الرعوي!
في الواقع لا وجود لعقل جمعي واحد يمكن الركون ليه ومعرفة اتجاهاته مسبقا و اسلوب تفكيره انما هناك عملية صناعة رأي و فكر تقوم بها مؤسسات بحثية وعلمية ومراكز تفكير وهناك نخب تغذي وتتبني نتائج تلك العملية وهناك اعلام و مؤسسات تعليم وثقافة تسهم كذلك فيها..
في المجتمعات المتخلفة مدنيا كما في حالة مجتمعنا تسند "عملية التفكير" تلك لغير اهلها فتجد اناس غير مؤهلين يحتلون مراكز مرموقة في المؤسسات البحثية والعلمية والاعلامية والتعليمية والثقافية و مراكز الفكر وهناك عوام ارتدوا رداء النخب .. فتكون نتائج العملية ضرب من التخليط والتلبيس تأخذ شكل الفكر لا مضمونه! وتخدع بها باقي العوام علي انها نتائج ومسلمات لا يرقي لها الشك! وقد يسهم بعض النخب او المحسوبين علي النخب ممن قبلوا رشاوي السلطة وعطاياها ليساهموا في التخليط الحاصل.
قد يصل الأمر احيانا بالنخب والرموز الفعلية و التي طال اقصاءها للقبول بالأمر الواقع علي انه حكم لا مفر منه ولا يمكن تغييره!
هذا الانقلاب في الموازين والاحوال يؤدي لبروز ظواهر وحالات جديدة وغريبة منها حالة العقل الخلافي التي نحن بضددها.
في حالة المجتمعات المتخلفة، اقول، تتحول عملية التفكير الي عملية اصطناعية زيفها اكثر من حقائقها، وهي عملية لا يقوم بها المجتمع و بالتالي لا يستفيد منها وان كان يتأثر بها بالتأكيد، و أي تأثير؛ اذ كل ما يتم فيها يكون خصما علي استقراره و تطوره بل وخصما علي كيانه الوجودي، ويتم لمصلحة فئة صغيرة هي المستفيدة من الوضع القائم وتسعي لا ستمراره لذا تعمل دائما علي تقديمه بمختلف الصيغ التي تجمله؛ وتبرزه علي انه الواقع الذي لا مفر منه حينا، و علي انه الصيغة الممكنة في الوقت الراهن حينا، وضمانة مصالح الجميع حينا، و صيغة شئ خير من لا شئ حينا.
اما المجتمعات المتقدمة و "الحرة" فان عملية التفكير فيها تتم وفق افضل الصيغ؛ وتضمن مشاركة الجميع علي قدم المساواة دون اقصاء وتهميش، و تكفل فيها كل حريات الرأي والتعبير والضمير والاعتقاد، لذا يكون استخدام تعبير "العقل الجمعي" جائزا فيها و اقرب ما يكون للدقة و الحقيقة، لأن العقل الجمعي يتشكل وفق الانتخاب الطبيعي فيها ويعمل وفق الشروط المثالية، وتكون نتائجه وثمار اشتغاله معبرة بدقة وامانة عن اشتغالات مجتمعها كله لا هموم فئة صغيرة انتهازية و آثمة.
حالة العقل الخلافي انتجتها جماعة من النخب التي عجزت عن استيعاب مشاكل مجتمعاتها ومشاكلها الذاتية وطفقت في بحثها عن اسباب ان اعتبرت كل علامات الاختلاف اسباب للخلاف وبالتالي التخلف و الفشل! لذا اعتبروا اختلاف جهاتنا وبيئاتنا والسنتا و الوانناو اعراقنا وعقائدنا وما يترتب علي بعض ذلك من اختلاف انشطتنا وسلوكياتنا "المركز والهامش و العروبية والافريقانية و الرعوية..!!" اعتبروا ذلك من اسباب تردي واقعنا لكأنهم يريدون صك الناس هم ايضا في قالب واحد.
العقل الخلافي عقل مصمم علي البحث والنظر في الاختلافات ولو كانت طفيفة ومن ثم يعمل علي تعظيمها بموالاة الطرق عليها وتحويلها من مجرد اختلافات الي خلافات، وهو لو لم يجد اختلافات "وهذا شئ مستحيل لأن الاختلاف من السنن الكونية" لعمل علي اختراعها من العدم!
لأنه ضعيف يركن العقل الخلافي للتعامل مع الاختلافات الظاهرة و التقسيمات الشكلية ويعتبرها اس ازمته ليهرب من عمق الأزمة، من امثلة ذلك الانقسام الذي حدث في مستعمرات الرجل الأبيض بين الارقاء انفسهم الي عبيد حقل وعبيد منزل! وبين الارقاء الذين يقبعون في اسر الرق والذين تحرروا حديثا وهذه صكوا فيها حكما شعبية واقوال مأثورة 'عبد بسيده ولا حرا مجهجه - لا يعرف اين ينام ولا من اين او ماذا يأكل'... مع انهم جميعا ينتمون لفئة واحدة مقهورة كان ينبغي عليهم التضامن لكن بسبب الاحساس بالعجز يميلون لافتعال ازمات صغيرة و معارك وهمية يخرجوا منها منتصرين ليتغافلوا عن جرحههم العميق و ألمهم الدفين..
مشكلة العقل الخلافي التي لا يبحث فيها ﻷنه غير مؤهل لذلك؛ هي انه لا يقدم حلول للمشاكل التي "يكتشفها"!! فكيف نعالج تلك الاختلافات طالما انها سبب تأخرنا وازماتنا الجوهري؟! كيف يمكن ان نلغي تلك الاختلافات وقد وعينا علي انفسنا ونحن مختلفون!؟
العقل الخلافي تبرع و شرح لشعب جنوب السودان اسباب ازمته علي انه اختلافه الاثني و الي حد كبير الديني عن شعوب الشمال، فانفصل الجنوب عن اؤلئك المختلفين عنه، و لم تحل مشاكله بل تفاقمت بمتوالية جنونية!! ونفس السبب يقدمه في دارفور و جنوب كردفان 'جبال النوبة' والنيل الأزرق بل لكل المشاكل الاقتصادية و السياسية في القطر الكبير!
العقل الخلافي يقدم التفسير السطحي وهو تفسير مقبول لدي العامة ومريح جدا للذهن، الغريب ان النخب هي التي انتجت هذه الخلاصة و التي قدمتها و تتعصب لها في حين ان العامة في البلد لم تعر تلك التفسيرات أي اهتمام ربما لسبب بسيط هو ان الاختلافات اقدم من الأزمات بعقود لا بل بقرون عدة ولم تكن حينها سبب للصراع..
ان العقل الخلافي بطبيعته ينشط لتأجيج الصراع والنزاع والأزمات، وان لم يجدها سيفتعلها وينقب عنها ولن يهدأ حتي يشعل نارها و يري الحرائق في كل مكان و يري الخراب والسواد يحل محل العمران والخضرة و الرماد يسود علي بقية الألوان!
في الواقع لا وجود لعقل جمعي واحد يمكن الركون ليه ومعرفة اتجاهاته مسبقا و اسلوب تفكيره انما هناك عملية صناعة رأي و فكر تقوم بها مؤسسات بحثية وعلمية ومراكز تفكير وهناك نخب تغذي وتتبني نتائج تلك العملية وهناك اعلام و مؤسسات تعليم وثقافة تسهم كذلك فيها..
في المجتمعات المتخلفة مدنيا كما في حالة مجتمعنا تسند "عملية التفكير" تلك لغير اهلها فتجد اناس غير مؤهلين يحتلون مراكز مرموقة في المؤسسات البحثية والعلمية والاعلامية والتعليمية والثقافية و مراكز الفكر وهناك عوام ارتدوا رداء النخب .. فتكون نتائج العملية ضرب من التخليط والتلبيس تأخذ شكل الفكر لا مضمونه! وتخدع بها باقي العوام علي انها نتائج ومسلمات لا يرقي لها الشك! وقد يسهم بعض النخب او المحسوبين علي النخب ممن قبلوا رشاوي السلطة وعطاياها ليساهموا في التخليط الحاصل.
قد يصل الأمر احيانا بالنخب والرموز الفعلية و التي طال اقصاءها للقبول بالأمر الواقع علي انه حكم لا مفر منه ولا يمكن تغييره!
هذا الانقلاب في الموازين والاحوال يؤدي لبروز ظواهر وحالات جديدة وغريبة منها حالة العقل الخلافي التي نحن بضددها.
في حالة المجتمعات المتخلفة، اقول، تتحول عملية التفكير الي عملية اصطناعية زيفها اكثر من حقائقها، وهي عملية لا يقوم بها المجتمع و بالتالي لا يستفيد منها وان كان يتأثر بها بالتأكيد، و أي تأثير؛ اذ كل ما يتم فيها يكون خصما علي استقراره و تطوره بل وخصما علي كيانه الوجودي، ويتم لمصلحة فئة صغيرة هي المستفيدة من الوضع القائم وتسعي لا ستمراره لذا تعمل دائما علي تقديمه بمختلف الصيغ التي تجمله؛ وتبرزه علي انه الواقع الذي لا مفر منه حينا، و علي انه الصيغة الممكنة في الوقت الراهن حينا، وضمانة مصالح الجميع حينا، و صيغة شئ خير من لا شئ حينا.
اما المجتمعات المتقدمة و "الحرة" فان عملية التفكير فيها تتم وفق افضل الصيغ؛ وتضمن مشاركة الجميع علي قدم المساواة دون اقصاء وتهميش، و تكفل فيها كل حريات الرأي والتعبير والضمير والاعتقاد، لذا يكون استخدام تعبير "العقل الجمعي" جائزا فيها و اقرب ما يكون للدقة و الحقيقة، لأن العقل الجمعي يتشكل وفق الانتخاب الطبيعي فيها ويعمل وفق الشروط المثالية، وتكون نتائجه وثمار اشتغاله معبرة بدقة وامانة عن اشتغالات مجتمعها كله لا هموم فئة صغيرة انتهازية و آثمة.
حالة العقل الخلافي انتجتها جماعة من النخب التي عجزت عن استيعاب مشاكل مجتمعاتها ومشاكلها الذاتية وطفقت في بحثها عن اسباب ان اعتبرت كل علامات الاختلاف اسباب للخلاف وبالتالي التخلف و الفشل! لذا اعتبروا اختلاف جهاتنا وبيئاتنا والسنتا و الوانناو اعراقنا وعقائدنا وما يترتب علي بعض ذلك من اختلاف انشطتنا وسلوكياتنا "المركز والهامش و العروبية والافريقانية و الرعوية..!!" اعتبروا ذلك من اسباب تردي واقعنا لكأنهم يريدون صك الناس هم ايضا في قالب واحد.
العقل الخلافي عقل مصمم علي البحث والنظر في الاختلافات ولو كانت طفيفة ومن ثم يعمل علي تعظيمها بموالاة الطرق عليها وتحويلها من مجرد اختلافات الي خلافات، وهو لو لم يجد اختلافات "وهذا شئ مستحيل لأن الاختلاف من السنن الكونية" لعمل علي اختراعها من العدم!
لأنه ضعيف يركن العقل الخلافي للتعامل مع الاختلافات الظاهرة و التقسيمات الشكلية ويعتبرها اس ازمته ليهرب من عمق الأزمة، من امثلة ذلك الانقسام الذي حدث في مستعمرات الرجل الأبيض بين الارقاء انفسهم الي عبيد حقل وعبيد منزل! وبين الارقاء الذين يقبعون في اسر الرق والذين تحرروا حديثا وهذه صكوا فيها حكما شعبية واقوال مأثورة 'عبد بسيده ولا حرا مجهجه - لا يعرف اين ينام ولا من اين او ماذا يأكل'... مع انهم جميعا ينتمون لفئة واحدة مقهورة كان ينبغي عليهم التضامن لكن بسبب الاحساس بالعجز يميلون لافتعال ازمات صغيرة و معارك وهمية يخرجوا منها منتصرين ليتغافلوا عن جرحههم العميق و ألمهم الدفين..
مشكلة العقل الخلافي التي لا يبحث فيها ﻷنه غير مؤهل لذلك؛ هي انه لا يقدم حلول للمشاكل التي "يكتشفها"!! فكيف نعالج تلك الاختلافات طالما انها سبب تأخرنا وازماتنا الجوهري؟! كيف يمكن ان نلغي تلك الاختلافات وقد وعينا علي انفسنا ونحن مختلفون!؟
العقل الخلافي تبرع و شرح لشعب جنوب السودان اسباب ازمته علي انه اختلافه الاثني و الي حد كبير الديني عن شعوب الشمال، فانفصل الجنوب عن اؤلئك المختلفين عنه، و لم تحل مشاكله بل تفاقمت بمتوالية جنونية!! ونفس السبب يقدمه في دارفور و جنوب كردفان 'جبال النوبة' والنيل الأزرق بل لكل المشاكل الاقتصادية و السياسية في القطر الكبير!
العقل الخلافي يقدم التفسير السطحي وهو تفسير مقبول لدي العامة ومريح جدا للذهن، الغريب ان النخب هي التي انتجت هذه الخلاصة و التي قدمتها و تتعصب لها في حين ان العامة في البلد لم تعر تلك التفسيرات أي اهتمام ربما لسبب بسيط هو ان الاختلافات اقدم من الأزمات بعقود لا بل بقرون عدة ولم تكن حينها سبب للصراع..
ان العقل الخلافي بطبيعته ينشط لتأجيج الصراع والنزاع والأزمات، وان لم يجدها سيفتعلها وينقب عنها ولن يهدأ حتي يشعل نارها و يري الحرائق في كل مكان و يري الخراب والسواد يحل محل العمران والخضرة و الرماد يسود علي بقية الألوان!
تعليقات
إرسال تعليق