رغما عن ان مواثيق حقوق الانسان تمتلئ بعبارات العدل والتساوي و اعلاء شأن الضمير الحر والكرامة .. وما الي ذلك من مفردات تحض علي احترام الانسان كقيمة في حد ذاتها 'قيمة الانسانية' الا ان الواقع يؤكد علي ان ما تحترمه البشرية الان ممثل في هيئاتها وحكوماتها ومنظماتها هو المادة المجردة، ولو ان قردا حاز علي ثروة 'دولارية' لوقرته البشرية و كرمته منظماتها،
اما ما ظلت تطنطن به من احترام الذات الانسانية و عدم التمييز علي اي اساس فلا يسوي في الواقع 'بنسا' واحدا!
لذا نتوقف حينما يقوم شخص من 'الاقلية الانسانية' الباقية علي هذا الكوكب بالاقدام علي فعل من و حي ضميره و وجدانه فقط و يتصرف تصرفا بناء علي اعتبارات الخلق النبيل و الفاضل،
من اؤلئك الاخلاقيين الكاتب الاسباني خوان غوستيللو والذي رفض عام 2007م جائزة ادبية قدمتها له دولة ليبيا 'ليبيا القذافي حينها' قيمتها مليون دولار، جائزة باسم حقوق الانسان؛ ليبيا القذافي التي لاتساوي حقوق الانسان عندها دولارا واحد تمنح و بكل جرءة جائزة قيمتها مليون دولار!!
بالتأكيد لم تكن ليبيا حينها تستثمر في حقوق الانسان انما فقط تستثمر في الحقوق التي تحولت لمادة دعاية سياسية و اخلاقية وقد اسهمت في هذا التحول منظمة الامم المتحدة التي حرصت علي مولاة ترديد عبارات الحقوق الانسانية حتي اضحي مجرد ترديدها غاية في ذاته دون تكبد مشقة التأكد من وجود اثر لها علي ارض الواقع! كانت حكومة القذافي تستغل حقوق الانسان لتسوق لصورتها في العالم كحكومة تتحدث لغة اليوم و جزء من جوقة الانسانية!
لذا حين رفض خوان غوستيللو استلام تلك الجائزة قائلا ان التزاما اخلاقيا لايسمح له بقبول جائزة من نظام القذافي لم يبهت ويدهش نظام القذافي وحده انما ادهش النظام العالمي برمته!
كذلك فعلت الممثلة السينمائية الاميركية التي تحمل ايضا الجنسية الاسرائيلية 'ناتالي بورتمان' اذ اعتذرت هذا العام ( 2018) عن قبول جائزة اسرائيلية قيمة ماديا 'مليون دولار ايضا' وجاء اعتذارها علي خلفية الانتهاكات الاسرائيلية علي حدود غزة وحفلة الصيد التي تقيمها ويقنص جنودها مدنيين يحتجون في ذكري ابعادهم عن اراضيهم! جنود يتسلون و يتبارون في اصابة عزل اصابات مميتة!
ايضا اندهش العالم 'الانساني' لهذا الرفض! ما الذي يصيب شخص فيرفض مليون دولار!!؟
كذا فعلت عالمة اسرائيلية أمريكية د. ايفلين فوكس كللر قبلت جائزة من جامعة اسرائيلية لكنها وتصحيحا للاحوال التي نعجز كلنا عن التعامل معها وتصحيحها تبرعت بالجائزة لثلاث منظمات مدنية تناهض جرائم حكومة الاحتلال.
ايضا ذهل العالم، كيف يتنازل شخص عن ثروة هبطت عليه من السماء!
هنا يتكشف لنا ان هذا ليس عصر حقوق الانسان بل عصر المادة في اشد صورها قبحا وفجاحة؛ انه عصر العملة، عصر البنكنوت، عصر الدوﻻر و اليورو والجنيه الاسترليني! عصر الدرهم والدينار والريال! ربما اخطأ من كتبوا مواثيق الحقوق حينما انشغلوا بصياغة بنود عدم التمييز علي اساس الجنس و النوع و اللون واللسان والدين والاصل العرقي والاثنية و الرأي السياسي، فقد كنا ولا نزال لبند يضمن عدم التمييز علي اساس الحالة المادية! بند يحض علي عدم التمييز ضد الفقراء! بند يزكرنا بأن هناك ما هو اقيم من المال!
الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة! تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!! في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...
تعليقات
إرسال تعليق