مامن شك ان اقامة مشروع يعتمد علي مياه نهر دولي كنهر النيل، يمثل تحديا و يخلق اشكالات وهواجس كثيرة، سيما وان كان المشروع 'مشروع سد' كسد الالفية / النهضة علي نهر النيل الازرق "نهر اباي" الذي يمثل المصدر الاضخم للمياه لنهر النيل و لدولتي السودان ومصر.
لذا يمثل قسم كبير من الجدل والخلاف بشأن مشروع سد النهضة في مفاوضات الدول الثلاث السودان ومصر اضافة لاثيوبيا صاحبة المشروع، جدلا مفهوما وطبيعيا..
فالحقوق الطبيعية السياسية والقانونية المتعلقة بتشاطؤ مورد مياه من الشؤون التي شغلت فكر وعقل الاسرة الدولية منذ امد طويل ولا تزال مصدر محتمل للخلاف حتي يومنا هذا، بدأ ذلك بحق الملاحة 'المرور' في الانهار الدولية و التي توصل المجتمع الدولي لاتفاقية بشأنها سنة 1927م 'اتفاقية برشلونة'، فيما لايزال موضوع استخدامات المياه اﻷخري 'الاستخدامات غير الملاحية' للانهار والبحيرات الدولية مثار نزاع وخلاف برغم التوصل في 1997م لاتفاق دولي بشأنها "الاتفاقية العامة للاستخدامات غير الملاحية لموارد المياه الدولية" والتي دخلت حيز النفاذ في 2014م،
تلك الاتفاقية العامة برغم عدم وضعها قواعد حاسمة وحاكمة تنهي الخلاف بشأن حق استغلال المياه العذبة الدولية وبرغم ان الدول الثلاث التي تمثل اطراف النزاع الحالي الذي اثاره مشروع سد النهضة لم توقع او تصادق عليها؛ الا انها تفي لتكون احد المرجعيات الهامة التي تساعد الجميع و تساعد الهيئات الدولية الاخري المهتمة بهذا الخلاف في التوصل لصيغ التسوية المناسبة والمقبولة للاطراف الثلاثة؛ لسبب رئيسي هو ان الاتفاقية العامة توفر اطار مناسب لفهم وتسوية المشاكل بما تطرحه من قواعد وهي اتفاقية تعرف ايضا باسم اتفاقية التعاون لكونها تعتمد فرضية اساسية وهي تعاون الاطراف في تسوية المشاكل و تنمية وحسن استغلال موارد المياه.
فيما يخص الازمة الراهنة، اي مشروع سد النهضة باثيوبيا، فاننا في مواجهة نوعين من العقبات والعراقيل؛ الاول طبيعي، وهو المتعلق بالهواجس والمخاوف التي تتصل بنقص امداد المياه وتأثر بيئة النهر والمناطقة المحيطة والتي تعتمد عليه، وهي هواجس تنشئ مشاكل فيزيائية-طبيعية بابعاد سياسية وقانونية مفهومة وفي سياقها ويمكن التعامل معها بكل الوسائل الفنية 'خبراء المياه والطبيعة' و السياسية والقانونية والدبلوماسية.. وتلك مشاكل يمكن ان تكون الاتفاقية العامة للاستخدامات غير الملاحية مفيدة في تسويتها و لا يفوتنا ان نناشد الاطراف الثلاثة تبني تلك الاتفاقية والمصادقة عليها .. ومن ثم تكوين لجنة فنية دائمة ومستقلة من الدول الثلاث لتنسيق العمل المشترك فيما يتعلق بالاستخدامات غير الملاحية للنيل، فنية؛ فيكون عملها متعلقا بالمياه كمورد طبيعي بعيدا عن التوترات والاحكام والاستغلال السياسي لقضية المياه، ومستقلة؛ بحيث تعبر عن الدول اكثر مما تعبر عن حكومات واحزاب حاكمة، ويمكن ان تكون سلطة الاشراف عليها للبرلمانات لا الاجهزة التنفيذية السياسية، ويكون قراراها الفني والاداري مستقلا و يمكن الافادة من المنظمات الدولية 'اﻷمم المتحدة والبنك الدولي' لضمان استقلاليتها وبعدها عن التأثر بالمواقف السياسية، كما يستحب ان تبني علاقة شراكة قوية مع منظمات المجتمع المدني في البلدان الثلاثة لاسيما تلك المهتمة بالانهار والمياه لتأمين المشاركة الشعبية كضمانة للاستقلالية، ودائمة؛ بحيث تتجاوز ادوارها الازمة الراهنة للتعاون المستقبلي.
اما النوع الثاني من العراقيل، هو العراقيل المصطنعة، اي ان تستغل بعض الاطراف الازمة لتمرير اجندة و تحقيق مكتسبات بعيدة كل البعد عن موضوع النزاع واسباب الأزمة الفعلية وفي الحالة الماثلة "سد النهضة" قد تكون دولتي السودان ومصر لجأت لتعقيد الازمة بغرض تحقيق مكاسب عند الاتفاق فيما يختص بمنازعات الحدود او التجارة البينية مثلا، او قد يسهمون في زيادة اشكالاتها بغرض تمرير اجندة داخلية صرفة "كأن تستغل الازمة الخارجية لتهدئة مطالب واحتجاجات داخلية اقتصادية او سياسية او حقوقية حتي"، واثيوبيا رغم انها المستفيد الاول من المشروع الا ان حكومتها ليست مبرأة من الغرض ومن تعقيد الازمة في لحظات التوتر الداخلي..
ونفس الآلية التي تسهم في تسوية العراقيل الحقيقية 'الآلية الفنية المستقلة والمشتركة'يمكنها ان تسهم في تجنب العراقيل المصطنعة، وذلك بالحرص علي عدم وضع الأجندة الإعلامية الخاصة بالوضع السياسي الداخلي لكل بلد علي طاولة التفاوض المشترك الخاص بالاستخدامات غبر الملاحية لنهري النيل والنيل الازرق.
دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...
تعليقات
إرسال تعليق