التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تجارة النقود.. او حينما يصبح النقد سلعة!!

  الوضع الاقتصادي الصعب الذي استحكم في بلاد السودان لما يزيد او ينقص قليلا عن نصف قرن  والسياسات المالية والقرارات الادارية العجيبة ابرزت ظواهر اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة رسمت الشكل الشائه والمحبط للشخصية السودانية.
  واحدة من تلك الظواهر الاقتصادية كانت تجارة العملات التي راجت بمستوي لافت وبصورة عشوائية لا تمت للتنظيم بأي صلة رغم ان العديدين خلقوا منها ثروات طائلة.. فأنت تجد باعة العملات منتشرين في الخرطوم من مدخل صالة الوصول بالمطار ومعظم الازقة والشوارع في العاصمة و المدن خصوصا عواصم الولايات سيما الحدودية، يبيعونك كل العملات المعروفة 'الريال والدرهم والدينار و الاسترليني واليورو والدولار'.. ويشترونها منك، وتجدهم يحملون رزم النقد الوطني 'بضاعتهم' يلوحون بها في وجه المارة جميعا!
   عندما تشتد ازمات الاقتصاد علي الحاكمين يلجأون الي تحريم تجارة النقود تلك فيضيقون علي باعتها فتعتقلهم اجهزة الامن والمباحث فتصادرها المحاكم وغير المحاكم ويبتزهم المبتزون فيعملون في الخفاء لكنهم لا يلبثون ان يعودوا للعلن.
  تجارة النقد 'الصرف' ليست الشكل الوحيد لتسليع النقود 'الصيرفة المالية خدمة وليست سلعة او بضاعة مثلما حولها اؤلئك الباعة' ففي كثير من الاحوال تبرز اشكال من التمويل في شكل غير مألوف وصيغ بدائية عشوائية 'الكسر والملخ..' وهدف تلك الصيغ هو الالتفاف علي تهمة التعامل الربوي المحرم دينيا والذي تأباه الفطرة السوية!!
  سيما وان الدولة عدلت النظام المصرفي وتبنت ما اسمته "النظام المصرفي الاسلامي" والذي الغي الدور التقليدي للبنوك، اي التمويل بسعر فائدة تحدده اجهزة مالية متخصصة ومستقلة، لتعمل البنوك بما سمي 'صيغ التمويل الاسلامية' ما ادي لانهيار منظومة كاملة لتحل محلها 'منظومة جديدة كليا ليست مجربة وليس لديها اي سجل احصاء ولا خبرات في مجال التنمية والاقتصاد؟! وفرضت قرارات لادارة الشأن المالي والنقدي والتي استخدمت فيها الحكومة الهيئات المصرفية والبنوك كادوات للنصب علي المجتمع احدثت هزات عنيفة لم يستفيق منها الاخير الا عقب عملية تبديل العملة الثانية "الدينار بالجنيه" وحينها بدأت عملية نصب واحتيال عكسية حينما اقدم الكثيرون علي طلب تمويل ثم السفر للخارج للافلات من الوفاء، شجعهم علي ذلك ان البنوك  نفسها كانت فاقدة المصداقية بسبب احتجازها اموال المودعين و منحها لاشخاص وجهات بعينها للتربح بها ولم تسدد لاصحابها الا بعد ان فقدت أكثر من نصف قيمتها!! كما انها استخدمت لمحاربة طبقة الرأسمالية العريقة و خلق راسمالية جديدة من اتباع السلطة الجديدة!!
  حاليا ومع اجراءات التحكم البنكي في ودائع وحسابات العملاء ظهر نوع جديد من تجارة النقود و هو بيع الارصدة ب90% من قيمتها نقدا لتجار اصحاب سيولة او دفع عمولة عالية لمتنفذين في المصارف للحصول علي مبالغهم المودعة او جزء منها!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...