التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثقافة المعلقة

 (في علاقة المطبخ السوداني بالصحة و الاقتصاد)

نحتاج لمراجعة عاجلة لسلوكياتنا في تناول غذاءنا؛ كيفاً و كماً.. نحن نأخر وجبة الفطور، كما اننا نتناول قدر كبير من "الدقيق" الخبز / العصيدة / القراصة  اكثر من اي مكونات اخري، و اكثر من المغذيات الرئيسية "خضار،بقوليات، لحوم" و غيرها من المواد التي توفر بروتينات نباتية أو حيوانية و سعرات حرارية و فيتامينات.. الخ، كما اننا نفرط في تناول السكر و الملح و الزيوت..

لا أدري سبب تأخر تناولنا للافطار، لكن غالباً ما يكون السبب هو الدولة الحديثة التي اقتحمت عالمنا فجأة في بداية القرن التاسع عشر، فيما قبل كنا؛ قبل ان نعرف المدارس "حصة الفطور" و دواوين الحكومة؛ كنا نعرف "فكة الريق مسمار القلب"، و لأننا كنا مجتمع ضعيف "و لا نزال؟!" تأثر المواطن بسلوك منتسبي الدولة "الميري" و الافندية" فصرنا نتناول افطارنا بعد العاشرة صباحاً، و أياً كان السبب فان عادة تأخير الفطور الي ما بعد الضحي و قبيل أو بعيد الظهيرة يجب ان تتغير لعدة اسباب، اولها انها عادة غير صحية ثم ثانياً انها عادة غير عملية، فكلنا نعرف قدر الزمن المهدر في دواوين الحكومة بحجة تناول الفطور!

كما لا أدري سبباً لمقدار العجين و الطحين الذي نتناوله لكنه بالتأكيد و ثيق الصلة بحالة الكفاف التي نعيشها، و نعرف ان بلادنا تعيش في اقليم مناخياً هش بحكم اعتماده علي منتجات مواسم الامطار و هي أيام معدودة و يمكن أن تكون شحيحة و قد شهد السودان و الاقليم باكمله عدة مواسم من الجفاف الكارثي الذي أدي لمجاعات طاحنة، اخرها اوائل التسعينات من القرن الماضي، و قبله مجاعة اوائل الثمانينيات الكارثية، و قبل ذلك بقرن مجاعة سنة "ستة" التي كانت مضرب الامثال في "حجي الاجداد و الحبوبات"، و قبل تلك سنة "ام لحم" في مخطوطة الطبقات و كاتب الشونة علي أيام السلطنة السنارية..

المهم في الامر، ان ثقافتنا الغذائية و مائدتنا الشعبية فقيرة جداً و تعتمد علي العجين و الحبوب بصفة رئيسية و هذا يجب ان يتغير و بصورة علمية، نحتاج الي التقليل من الحبوب (النشويات) و نزيد بقية المكونات البروتينية (نباتية و حيوانية) كما نحتاج الي غرس ثقافة استخدام الملعقة أو كما نطلق عليها في الدارجة (الملعقة) في تناول الغذاء بدلاً عن اسلوب "الغرف" بالخبز أو غيره من منتجات الحبوب المحلية (العصيدة و القراصة و الكسرة).

كما ان تعاطينا باسراف للسكر الأبيض و الملح و الزيوت امر مضر بالصحة كما انه سلوك غير اقتصادي و يجب ايضاً ان يتغير..

كل تلك العادات الغذائية "العجيبة" ربما تكون هي السبب وراء تدهور الحالة الصحية للانسان السوداني، و ربما تكون السبب وراء تفشي امراض خطيرة كالسرطانات و الفشل الكلوي و ضغط الدم و السكري و غيرها من الامراض التي هدت موازنات الأسر و تهد ميزانيات الحكومات، و في ظل حالة انعدام البحث العلمي الصحي و الطبي خصوصاً ليس بوسعنا الجزم بشئ لذا و مع سعينا لتحديث بلادنا لا يضرنا ان قمنا بتغيير بعض سلوكيات الغذائية التي لا معني و لا أصل لها عسي ان يساعد ذلك في تغيير حالنا نحو الأفضل.  

الحكومة السودانية (وزارة الصحة تحديداً) عبر تاريخها لم تهتم اطلاقا بمكونات المائدة و بغذاء المواطن مع ان الغذاء هو اساس الصحة السليمة و اساس الوقاية و هو الطاقة الرئيسية العمل و الانتاج.

بينما كل الحكومات في العالم تضع من صميم عملها تحديد البرنامج الغذائي لمواطنيها.. و تضع برتكول غذائي للمواطنين بما ينبغي عليهم تناوله يومياً من بروتين و سعرات و فيتامينات، و هذا السلوك "الإهمال الحكومي لمائدة المواطن" يجب ان يتغير و علي الحكومة ان تبدأ و تهتم بغذاء مواطنيها.

٢٦/ ٢/ ٢٠٢٠م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...