المرحلة الانتقالية الحالية و التي اعقبت سقوط نظام البشير و حلفاءه الاسلامويين في الحادي عشر من ابريل 2019م بعد موجة احتجاجات ثورية بديعة؛ هذه الفترة الانتقالية ليست الأولي في تاريخ السودان انما "الخامسة" و ان كان مأمولاً و لو بقدر ضئيل ان تكون الأخيرة!
فقد سبقتها فترة انتقال اتفاقية السلام الشامل بين الشمال و الجنوب "أو هكذا افترض مسوقوه و اطرافه" في 2005م أو "الإنتقال الرابع" و التي استمرت حتي منتصف العام 2011م، و قد كانت من اطول الفترات الانتقالية؛ و اطول حتي من الانتقالية الحالية و التي يخطط لها ان تستمر لخمسة سنوات بعد ان تم التوافق علي تمديدها و لكن لا ضمانة من الا يتم توافق جديد علي تمديد ثانٍ!
طول أمد الفترة الانتقالية في 2005م كان مبرره انه سيعقب باستفتاء علي مصير الدولة السودانية بين خيار الدولة الواحدة بنظامين او الانفصال "لنظام واحد بدولتين؟!!"
لكن ذلك لم يكن المبرر الوحيد، فكما الحال اليوم في الانتقالية في 2005م استندت الي مجادلات النخب و المثقفين الذين عزو كل فشل تجارب الحكم الديمقراطي في السودان لقصر فترات الانتقال بين الانظمة الاستبدادية و الحكومات المنتخبة "انتقال 1964م" و "انتقال 1985م" و التي اعقبت انتفاضتي اكتوبر و ابريل ضد حكومات الجنرالين ابراهيم عبود و جعفر نميري.. و قد استغرق الانتقال في كلا الفترتين عام واحد.
و لعل الدليل العملي قد قام علي ضحالة هذا المبرر فان طول فترة الانتقال في 2005م لم يقودنا لا الي وحدة و لا الي حكم ديمقراطي ان كان في الخرطوم أو جوبا عاصمة السودان "الجنوبي" الجديد؛ مثلما وعدتنا اتفاقية السلام و دستورها الانتقالي!
نجاح عملية الانتقال من نظام استبدادي الي نظام ديمقراطي لا يتوقف علي طول أو قصر مدة الانتقال بقدر ما يتوقف علي وضوح المهمة و يعتمد علي توفر الإرادة السياسية لدي اطراف عملية الانتقال و توفر الكفاءة السياسية و كفاءة عناصر جهاز ادارة الحكم بمختلف افرعه و مؤسساته..
ان توفرت الإرادة و المقدرة فان الانتقال لن يستغرق اكثر من ستة اشهر الي عام، و ان لم تتوفر تلك العوامل فان الانتقال لن يتحقق و إن طال الزمن و بلغ ستين سنة!
حالياً يستغرق الانتقال خمس سنوات و مع ذلك تسير الأمور ببطء مميت و تعسر قاتل و عراقيل قصور ذاتي.. فمن الواضح ان جهات نافذة جداً من داخل منظومة الانتقال تعرقل الحركة نحو الامام، جهات تمنع توسيع المشاركة السياسية "تكوين البرلمان الانتقالي" لتبقي تلك القوي قابضة و متحكمة علي الأوضاع و من ثم ضامنة و متحكمة في الانتقال و ليكون من نفس المربع للمربع نفسه! و من حكم استبدادي سابق الي حكم استبدادي جديد، و تظل بلادنا اسيرة محاور اقليمية و تبعيات دولية، و تظل الدولة و يظل المجتمع في حال المراوحة ذاته..
هذا مع الأسف الموقف بالضبط في الانتقالية الخامسة؛ و التي تشكل مع انتقالية "نيفاشا" اكثر من عقد من الزمان، و باضافة "انتقاليات" اكتوبر 1964 و ابريل 1985م التي سبق و أشرنا لهما زائداً "الانتقالية الاولي" و التي سقطت أو تكاد تسقط من تاريخنا مع أنها الانتقالية "التأسيسية" تشكل كلها معاً خمسة عشر عاماً بالتمام، و هي حصة لا يستهان بها من عمر الامة السودانية و دولتها الوطنية!
و الفترة الأولي تلك هي انتقالية الحكم الذاتي، و التي نصت عليها اتفاقية الحكم الذاتي التي توافقت عليها القوي الاستعمارية (الحكم الثنائي البريطاني-المصري) بالتشاور مع القوي الوطنية في فبراير 1953م و انبثق عنها أول برلمان وطني بموجب انتخابات 9 يناير 1954م و هو البرلمان الذي تم إعلان الاستقلال من داخله و بالمخالفة لبنود الاتفاق "الحكم الذاتي"نفسها! إلا ان ذلك الاعلان وجد قبولاً من القوي الاستعمارية علاوةً علي الترحيب الوطني طبعاً، و لذا؛ و علي الرغم من انه جاء بالاستقلال والذي زُعم أن "لا شق فيه و لا طق" إلا انه سن سنة الانتقال الفاشل و المنقوص في تاريخنا السياسي!
فبراير ٢٠٢١م
تعليقات
إرسال تعليق