التخطي إلى المحتوى الرئيسي

موقف الانظمة و الشعوب العربية من اعتداء بوتين علي اوكرانيا

 موقف كل الانظمة العربية و علي درجات مختلفة من التقارب يبدو متفهماً و متعاطفاً مع النظام الروسي في عدوانه علي اوكرانيا..

و مع ان الغرب (اميركا تحديداً) كان يملك معلومات دقيقة عن تحضير روسيا للحرب في اوكرانيا و موعد شن تلك الحرب باليوم و الساعة، و برغم ان روسيا لا تعترف حتي الأن بأن ما تقوم به قواتها في اوكرانيا هي الحرب! انما تسميها (عملية عسكرية خاصة) بهدف حماية الأمن الروسي..

برغم كل ذلك فإن كل الدول العربية تقريبا تصوت علي قرارات الجمعية العامة بخصوص الاعتداء الروسي بالامتناع.. بل و الامارات صوتت بالامتناع في مجلس الامن بينما الجزائر عارضت احد القرارات صراحة (تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الانسان).. فيما امتنعت البقية فيما يشبه الاجماع!

هذا موقف الانظمة و التي و حتي وقت قريب كانت اغلبها تصنف حليفة للغرب و اميركا!

اما موقف الشعوب؛ و ان كان من المستحيل الجزم به لأنه ما من امكانية لاجراء استطلاعات رأي موثوقة بسبب انعدام اي فرصة لاجراء هكذا استطلاع في ظل أنظمة تقمع حريات الرأي.. الا ان المتاح علي مواقع التواصل الاجتماعي (و هي كذلك ليست مأمونة و لا موثوقة النتائج بسبب نشاط الشركات الاستخبارية و برامج التجسس الالكتروني التي توظفها تلك الانظمة -بيقاسوس نموذج، و الاذرع الموالية لفاغنر) ذلك المتاح يعكس مد كاسح مؤيد لسيد الكرملين! و هذه نتيجة لافتة اذ انها من القضايا النادرة التي يتشكل فيها اتفاق بين الانظمة العربية و شعوبها! 

سبب موقف الانظمة قد يبدو بسيطاً و مفهوم، فهذه الحرب حرب دول الحكومات الديمقراطية و مجتمعات الاسواق و التجارة الحرة ضد دول حكومات الفساد و انظمة الاسواق و الاقتصادات الفاسدة.. و الانظمة العربية تعرف موقعها جيداً في هذا الاصطفاف، و ان كانت مصالح مالية تشد وثاقها الي الغرب شدا !!

فما بال الشعوب و المجتمعات العربية، إن صحت قراءات مواقع التواصل الاجتماعي؟

موقف الشعوب العربية و انسجامها مع انظمتها و حكوماتها التي تقمعها ليس له الا تفسير و مبرر واحد، هو ان فساد الوعي و التفكير (الناتج عن فساد التعليم و فساد الاعلام و فساد الساحة و البيئة الثقافية) قد بلغ فيها مبلغ بعيد، فاصبحت تتخبط في المواقف، قد يعارض العربي نظامه لكنه في المحكات يجد نفسه متفق معه لأنه اصبح يفكر كجلاده تماماً!!

هناك نمط تفكير كرس له الاعلام و روجت له الثقافة و هو اتخاذ المواقف الجديدة بناءا علي السابقة؟ فالعربي يدعم عدوان لأن الغرب دعم عدوان قبله (في فلسطين او العراق)، مع ان المبدأ يقول ان من يرفض العدوان يرفضه كمبدأ و علي طول الخط و لا يرفضه هنا و يقبله هناك لأن الاخرين قبلوه هنا و رفضوه هناك؟!!!

المواطن العربي تحول عقله من عقل مهمته التفكير "الحر" و المستقيم.. الي عقل مهمته التبرير..

العقل العربي اضحي يتجنب مآزق التفكير بالبحث عن مخارج آنية، تماما كالأرنب و الفأر؛ مخرج آني و لا يهم ما يحدث غداً او بعده.

قدر من العلة و السبب ايضاً يكمن في تصوير الغرب من جهة و الشرق (روسيا و الصين) لطبيعة الصراع؛ فيما يصور الغرب هذا الصراع علي انه حرب بين العالم الحر و الديمقراطية ضد عالم الاستبداد و القمع فان "الشرق" يصوره علي انه صراع قيم الشرق المحافظ ضد الغرب "و مثليته" .. الخ

هذا التبرير يمنح الكثير من العوام مبرر اخلاقي و ديني لتأييد روسيا و بوتين في عدوانهما علي الاوكرانيين !!

هذا الاضطراب في المواقف ليس قاصراً علي الانظمة و الشعوب العربية .. عديد من الانظمة الافريقية (و الاسيوية) حتي المحسوبة علي المعسكر الديمقراطي (نيجيريا، جنوب افريقيا، اثيوبيا، الهند، البرازيل..) تراوحت مواقفها بين الادانة الخجولة للعدوان الروسي و الرفض الصريح لقرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الانسان.. قد يكون لبعض تلك الدول حساباتها الاستراتيجية و الدبلوماسية؛ فجنوب افريقيا تعتبر روسيا صديق مهم من ايام مكافحة الابارتايد، بينما اثيوبيا تعدها حليف استراتيجي و عسكري من زمن المعسكر الشيوعي و لا تجب خسارته في وقت تتعرض فيه اثيوبيا لضغوط غربية بسبب ازماتها الوطنية.. و ما يهمنا هنا ان اثيوبيا ستكسب من روسيا اكثر مما ستكسب حكومة انقلاب البرهان- حميدتي التي تمسك العصا من المنتصف و لا تقطع بموقف حازم حيال الازمة.

أفريقيا و الاتحاد الافريقي وقفت موقف اقرب للحياد و عدد من الدول صوتت في الجمعية العمومية عدة مرات لصالح روسيا "المعتدية" و مع نضج ثمار العدوان الروسي و آثاره علي العالم "ازمة الغذاء و الطاقة" ها هو رئيس الاتحد الافريقي يدعو اوكرانيا لنزع تسليح "تلغيم" موانيها لتسمح بتصدير القمح و الذرة و زيت بذرة الشمس مكتفياً بتعهد اعطاه له بوتين "شفاهةً" بعدم الاعتداء علي تلك الموانئ، ذات بوتين هذا الذي كان ينفي حتي قبيل الغزو بدقائق ان قواته ستدخل لأوكرانيا!

لماذ لم يطلب الرئيس السنغالي "مكي سال" من روسيا تصدير قمحها لأفريقيا و هي مصدر اكبر من اوكرانيا للحبوب؟!!

اما دولياً فان اميركا عليها (و قد بدأت فعلياً عبر الاتصال بحكومات الهند و البرازيل و جنوب افريقيا) ان تعمل علي ترميم جدران المعسكر الديمقراطي.

اذ من الواضح ان معظم الدول التي كانت تعتبرها حليفة هي دول بحكم تكوينها تنتمي الي المعسكر اللا-ديمقراطي.. بينما بعضها و رغم كونها "ديمقراطيات ناهضة او وليدة" خسرها الغرب بسبب سياسات قصيرة النظر تفتقد الرؤية الاستراتيجية.

كما ان المعسكر الديمقراطي في معظمه يعني مشاكل داخل منظومته الديمقراطية؛فكل الاحزاب اليمينية المتطرفة التي تنشط في الدول الديمقراطية هي في الواقع حليفة للانظمة الدكتاتورية او معجبة بها و تعتبرها مثال يحتذي! و يجب محاصرة تلك التيارات سياسياً و ثقافياً بنشر الوعي حتي تختفي هذه الظاهرة اللاديمقراطية التي تشبه المرض المعدي للمجتمعات الديمقراطية و الانظمة التي تتبني الانتخابات الحرة التعددية.


١٥ سبتمبر ٢٠٢٢م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...