الذين يلوحون بالعلمانية اليوم و بنفس سطحية شعارات الدولة الدينية "العلمانية هي الحل" ما الذي قاموا به من عمل في الماضي حتي تصبح لدعوتهم ساق تقف عليه و قدم تمشي به بين الناس اليوم؟!
طوال عهد النظام البائد حين كان يزايد بالشريعة و حتي حد الردة لم نكن نسمع أو نقرأ اي مادة تشرح العلمانية أو تطالب بها!!
اليوم الحركة الشعبية تيار-عبدالعزيز الحلو هي التي بادرت في سوق المزايدة بالعلمانية و اتخذتها مطية لتأخير انهاء الحرب و اقرار السلام..
لكن الحزب الشيوعي التقط قفاز المبادرة و دعم حركة الحلو و زاد عليها ايضاً! فتجمع المهنيين و التجمع المدني و غيرها من المظلات التي وقعت مع تلك الحركة اعلانات تدعم "العلمانوية" كلها في الواقع اجسام و أواني تحمل خمر الحزب العتيق!
و نقول "علمانوية" لأن هذا التيار الذي يتشكل من الحركة الشعبية - الحلو و الحزب الشيوعي لا يستحق صفة تيار علماني، و لا يدري كنه العلمانية حتي!
هذا التيار يمثل احياء لخط يساري اندثر محليا و دوليا، و معلوم ان الحركة الشعبية ابان صباها كانت تحمل بذرة ماركسية لكن تخلصت منها مع انهيار معسكر الشيوعيين و اتجهت غربا بكلياتها ناحية الليبرالية الجديدة، و علي ما يبدو فان تيار الحلو هو بقية من ذلك الارث! فيما الحزب العتيق تبقت منه نواة تنكر الواقع و ترفض التزحزح عن إرث "كارل ماركس و لينين و ستالين" .. و تنكر انهيار جدار برلين و غيرها من الخطوب الجلل التي حدثت ابان حالة بياتها السياسي في حقب التخفي و الاختباء و ما تسميه "العمل السري" و هو في حقيقته إجازة سياسية بلا مهام!
اليوم يحاول هذا الحزب اقتناص حالة الحرية التي اتاحها الشعب الباسل ليزايد ببضاعة لا يعرف كنهها و لا مصدرها و يظن انها ستمنحه نصيب الاسد من الرصيد السياسي!
يريد الحزب اعلانا "علمانويا" يمنحه نصر سياسي فيما لا يفكر في تأثير ذلك علي حياة الناس و معاشهم و رفاهيتهم في الواقع!
يريد مجرد إعلان يبرز به تفوق اجندته، فالوثيقة الدستورية التي يتهجم عليها الحزب باجهزته و واجهاته المختلفة هي أفضل وثيقة حقوقية و سياسية عرفها السودان منذ استقلاله..
تلك وثيقة تثبت حقوقا متساوية للجميع و دون ان تتبجح بعبارات و مفردة العلمانية .. فما العلمانية إن لم تكن الدولة التي لا تميز بين افرادها علي اساس الدين أو أي اعتبار اخر؟ و دولة المواطنة و حكم القانون و حقوق الانسان؟
من هذه الناحية وثيقة 2019 الدستورية تتقدم علي دستور نيفاشا التي قرظها الحزب و كادت عناصره تتغزل فيها شعراً و التي قبلها الحلو حين كان من قادة "الحركة الأم"!!
العلمانية تعني حياد الدولة بين اتباع الاديان المختلفة و عدم تدخلها بالمطلق في الشأن الديني و الروحاني، و ان تترك الشأن الديني للمجتمع...
السؤال اليوم هو، هل المجتمع السوداني في مركز يسمح له بادارة الشأن الديني "الاوقاف، الحج و العمرة، الزكاة، التعليم الديني، و المساجد.." ؟؟؟
ادارة المجتمع لهذا الشأن يتطلب منظمات و هيئات و جمعيات "اهلية و حديثة"، اهلية بالكامل اي تدار بواسطة المجتمع عبر جمعيات عمومية و لا تحتاج لتنظيم من الدولة و لا تمويل من الخزينة العامة، و حديثة؛ اي تتبني تنظيم اداري علمي و فاعل قادر علي التعامل و حل كل المشاكل الادارية و قادر علي احتواء خلافات العمل الجماعي و قادر علي ادارة تنوع المذاهب الدينية و ادارة اختلافاتها بصورة مرضية و مقبولة من الجميع..
و في ضوء ضعف المجتمع و استقواء الدولة في السودان (منذ تخلق الدولة المركزية في سنار و الدولة الحديثة في الخرطوم 1821م) فان المجتمع يعاني في ادارة شؤونه و ادارة العمل العام (من العمل السياسي-الحزبي و ادارة العمل الطوعي الإنساني و الثقافي و الرياضي.. الخ)، اذ لا يزال المجتمع يقبل تدخل الدولة في اتحادات الرياضة و مجالس اندية كرة القدم! و لا يزال المسرح و لا تزال السينما تنتظر تدخل و دعم الدولة و لا تزال العديد من الفئات تستجدي و تتوسل رعاية و تدخل الحكام في سائر الأمور المجتمعية..
و ما لم نضمن تقوية المجتمع و صعود تيارات و حركات اجتماعية قوية تجعل المجتمع في مركز أفضل من جهاز الحكومة؛ ستكون اي دعاوي من شاكلة العلمانية دعاوي لا تقف علي ارض ثابتة و لا تستند الي ظهر قوي و ستكون دعاوي من تلك الشاكلة أقرب الي العلمانوية "علمانية شكلية و زائفةغرضها التكسب السياسي" منها الي كونها دعوة لتبني العلمانية.
سبتمبر ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق