التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حق التظاهر والاحتجاج سلميا في ظل أنظمة سيادة حكم القانون

  لثلاثين عاما اختبرنا تجربة الاحتجاج والتظاهر و تنظيم التجمعات السلمية في ظل سلطة لا تحترم هذه الحقوق الدستورية و الدولية ( سلطة نظام عمر البشير و منظومة الحركة الاسلامية و التنظيمات المتحالفة معها من جماعات تحريم الخروج علي الحاكم! )، و تعتدي تلك السلطة علي كل من يفكر مجرد تفكير في تنظيمها او ينتوي مجرد نية بابشع انواع الاعتداء من الاعتقال التحفظي بلا سند قانوني الي التعذيب المفضي الي الموت ومرورا بالفصل من العمل و المطاردة والملاحقة بقصد الافقار و التشريد و حتي اطلاق النار بقصد تسبيب الوفاة لأكبر عدد من المتظاهرين و المحتجين لتخويف عامة الناس من التجمعات!
و كانت جموع شعبنا مع كل سانحة تلوح للإحتجاج تحت وطأة ضغوط معيشية او خلافه تعرف انها تواجه خطر عظيم لذا كانت تلجأ تلك الجموع الي تدابير وقائية للحماية من تلك المخاطر الكبيرة و الحقيقة، كاغلاق الطرق بالمتاريس الاسمنتية او كتل الاخشاب و الحديد و الانقاض و اشعال اطارات السيارات...
و في عهود الأنظمة القامعة كنظام البشير يتم اشتراط الحصول علي 'اذن' لتنظيم الاحتجاجات والمسيرات دون أي الزام يفرض علي السلطة المختصة منح الاذونات بل لديها سلطة مطلقة لرفض منحها و الغرض الاساسي من شرط الاذن ان تكون للسلطات الكلمة الفصل دون أي رقابة من أي جهة!
اما في عهد الدولة الديمقراطية التي ترعي التزامها بمواثيق حقوق الانسان فإن لتنظيم التظاهرات و التجمعات السلمية اصول وقواعد مرعية، منها ان تنظيم الاحتجاجات يكون عبر اخطار السلطات المختصة 'مجرد اخطار وليس إذن' حتي تتخذ تلك السلطات ما يلزم من اجراءات لحفظ النظام و منع الازدحام و تسيير الحركة و غير ذلك من تدابير السلامة العامة، و عبارة "تنظيم الاحتجاجات" لها دلالة واضحة علي ان هذا العمل يجب ان يكون منظم و ان الاحتجاجات لا تعني بحال سيادة أي نوع من الفوضي او الاضطرابات والعنف، و لذا علي الجهة التي تتقدم باخطار للجهات المختصة لتنظيم احتجاجات ان تكشف عن نفسها بوضوح حتي يسهل التحقيق معها في حال حدوث اي مظاهر سالبة، كما عليها ان تكلف مجموعة منها لتقوم بحفظ النظام اثناء الاحتجاجات وضمان عدم خروجها عن مسارها المرسوم و عدم ارتكاب افعال او ترديد شعارات و هتافات تثير أية حساسيات دينية او عرقية بما يؤدي لاشتباكات او اثارة نعرات عصبية.
ان القمع الذي تواجه به الانظمة البوليسية و الامنية الاحتجاجات يجب الا ينسينا ان غرض التظاهرات الحقيقي هو ايصال رسائل سياسية او مطالب ثقافية او لفت الانتباه لقضية معينة و ليس هدفها هو غلق الشوارع او قطع الطرق! فما كان يتم من غلق كان يحدث بغرض حماية المحتجين من آلة الموت و الاعتقال والتعذيب، و متي ما انتفي ذلك الخطر يجب ان تنتفي التدابير الوقائية المضادة التي كانت تتخذ.

مايو ٢٠١٩م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...