التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اخطاء قحت و مساهمتها في نكسة ٢٥ اكتوبر الانقلابية

 ١٦ ديسمبر ٢٠٢١م 

النتيجة التي انتهت اليها الاوضاع في ٢٥ اكتوبر الماضي (سلطة دكتاتورية تسعي لتسويق نفسها بالشائعات و الاكاذيب كفرصة لجلب الاستقرار الامني و الاقتصادي و محاربة التدخلات الاجنبية، في مقابل حراك شعبي مقاوم لاسقاط الانقلاب و فرض عملية انتقال ديمقراطي مدني) هي نتيجة طبيعية لسلسلة اخطاء ارتكبتها احزاب و منظمات قوي الحرية و التغيير، بعض تلك الاخطاء ارتكبت دون قصد و دون وعي بعواقبها لكن معظمها ارتكبت عن قصد لكن و بسبب ضعف التجربة السياسية تصور مرتكبوها نتائج غير تلك التي اصطدمت بها!!

اول تلك الاخطاء، هو الدخول في دوامة مباحثات (تفاوض) مع المجلس العسكري انتهت اولاً باحداث فض الاعتصام، و مع ذلك عاودت نفس القوي الدخول في ذات العملية (بوساطة الاتحاد الافريقي)، لم يكن الأمر يستدعي ممحاكات التفاوض لأن الوضع لا يتعلق بصراع اجنبي و لا احتلال و لا "مشروع نووي" .. فقط هناك شعب خرج ثائراً و لديه مطالب معروفة للجميع و علي كل الاطراف الاستجابة و الشروع في تلبية مطالب -أوامر الشعب- حتي يشعر الشارع بنتائج عمله و بالتغيير فتهدأ الثائرة..

و لأن المكون العسكري وجد نفسه مضطر لمسايرة هذا الوضع رضخ له مؤقتاً فيما لم يتوقف عن التخطيط و التجهيز لاقصاء قوي الثورة و الاستفراد بالسلطة مجدداً و التحكم في تقديم الوجوه المدنية التي تطيع اوامره!

منذ توقيع (اتفاق كورنثيا) في اغسطس ٢٠١٩م بدأ المكون العسكري في استدراج احزاب و منظمات قوي الحرية و التغيير لترتكب اخطاء في الحكم و شرع في احصاء اخطاءها و خطواتها و انفاسها.. و التربص للتخلص من (الشراكة التي و جد نفسه متورطاً فيها و مفروضة عليه) ..

ساعدت تنظيمات و احزاب قوي الحرية و التغيير المكون العسكري بارتكاب سلسلة من الاخطاء الساذجة بعد ان اطمأنت له و ركنت للسلطة التي وجدت نفسها متمرغة فيها.. كما ان رئيس الوزراء الذي اختارته اشترك بدوره في ارتكاب سلسلة من الاخطاء القاتلة.

ثاني تلك الاخطاء؛ ان قوي الحرية و التغيير المختلفة لم تلتزم بما اشترطته علي نفسها بأن لا يشغل من شاركوا في التفاوض منصب في الحكم الانتقالي.. لكن لسبب او اخر شارك البعض و كان هذا احد المسامير في نعش العلاقة بين قوي الحرية و الشارع.. شارك عضو التجمع المدني (مدني عباس) في الحكومة الأولي و فتح الباب لآخرين بينهم ابراهيم الشيخ الذي شارك في الحكومة الثانية..

ثالث الاخطاء؛ ان احزاب الحرية و التغيير اساءت التصرف في ملف السلام، فشاركت في ملتقي عقد في اديس اببا قبل تشكيل الحكومة الاولي و قطعت تعهدات للفصائل المسلحة ثم تنصلت عن تلك التعهدات و من حينها تباعدت الشقة بين الجانبين و قد بادر المكون العسكري و استغل هذه السانحة و بني جسور بينه و بين الفصائل المسلحة تمخض عنها في النهاية دعم تلك الفصائل لاعتصام القصر و لاجراءات ٢٥ اكتوبر الانقلابية..

رابع الاخطاء، ان حكومة حمدوك الاولي التي تشكلت بترشيحات فصائل قحت ظلت تدير السودان قرابة العام من مجلس الوزراء دون التفات الي الولايات و دون تعيين ولاة و معتمدين!!! هذا الوضع هو الذي تسبب في خروج الأمور عن السيطرة و انفلات الاسواق و الذي اعقبه انهيار الجنيه تماماً.

خامس الاخطاء، تواطأت قحت ضد مبدأ حكومة الكفاءات المستقلة "و التكنوقراط" و دخلت في سباق للاستحواز علي مناصب تنفيذية و سيادية، و مع ان عبارة حكومة كفاءات يفهم منها بالضرورة انها ليست حزبية لكن لا تزال عناصر قحت تغالط و تقول ان هناك كفاءات حزبية! 

أي استغباء هذا؟! و هل هناك وجود لحكومة حزب او ائتلاف حزبي لا تقدم خيرة ما عندها من كفاءات؟ لذا حينما يقال حكومة كفاءات فان هذا يعني بالضرورة انها ليست حزبية..

و لأن المرحلة انتقالية فمن المنطقي الا يكون للاحزاب دور و مشاركة لكن احزاب قحت شاركت في افشال الحكومة الاولي و زعمت ان سبب الفشل هو عدم الخبرة السياسية للوزراء؟ استعجلت احزاب قحت السلطة، و من استعجل الأمر قبل اوانه عوقب بحرمانه.

سادس الاخطاء، ان احزاب الحرية و التغيير تأمرو علي مبدأ البرلمان الانتقالي، و ارتدت ان تحكم لثلاث ثم اربع سنوات (قد تزيد) دون رقابة و دون سلطة تشريعية مستقلة! 

هذا الخطأ منح المكون العسكري ميزة كبيرة و استغله في اجراءاته الانقلابية و ظل يزايد بلافته الكفاءات ويشجب المحاصصات التي انخرطت فيها قوي الحرية ليبرر انقلابه!

سابع الاخطاء، ان رئيس الحكومة الذي رشحته قحت استلم سلطة تنفيذية دون ان يعرف هو و لا قوي الحرية التي دعمته حدود ما استلم من اجهزة و صلاحيات و سلطات.. و اكبر دليل علي ذلك ان رئيس الوزراء قال في اول تصريح صحفي له بعد استلام السلطة بنحو اربعة اشهر قال ان البنك المركزي لا يزال معزول عن الحكومة التنفيذية و لا يزال يعمل و كأنما لا تغيير و لا ثورة حصلت في البلد! و قال ذلك علي سبيل التبرير لضعف الاداء لا علي سبيل الدعوة لتصحيح وضع خاطئ، و لم يعد لحديث البنك المركزي بعدها ابداً...

مع ان من اوجب واجبات التغيير و قيام سلطة حكم قانون هو تمتع البنك المركزي بالاستقلالية عن سطوة كل الاجهزة الامنية و السيادية و التنفيذية.. و حتي يومنا هذا لا تزال استقلالية المركزي السوداني محل تساؤل و شك!

ثامن الاخطاء، ان احزاب الحرية و التغيير غضت الطرف عن تحركات المكون العسكري الحربية و الدبلوماسية علي ما انطوت عليه من خطورة، فافتعال معارك في جبهة الشرق الحدودية مع اثيوبيا؛ و نقل موقف السودان من سد النهضة من مؤيد لانشاء السد الي معارض صريح و متضامن مع مصر، لم يكن عمل عفوي انما في اطار خطة متكاملة تهدف استعداء اثيوبيا و حكومتها (التي عملت علي انهاء الوضع الانقلابي بعد حادثة فض الاعتصام) و ذلك بغرض الحيلولة دون توسطها مستقبلا في الشأن السوداني.. و كلنا نذكر الترحبب الحار الذي خص الحضور السيد رئيس وزراء اثيوبيا (ابي احمد علي) في احتفال توقيع الاتفاق السياسي و الوثيقة الدستورية دوناً عن ممثلي حكومات عربية و افريقية و دولية اخري حضرت التوقيع..

تزامن مع ذلك عقد شراكة عسكرية استراتيجية بين الجيش و الجيش المصري و مرت الاتفاقية دون ان يعيرها احد اهتمام، مع ان معاهدة الدفاع المشترك التي ابرمها النميري عام ١٩٨٣ مع مصر كانت احد مبررات سقوطه عام ١٩٨٥م!

و من الواضح ان تلك الاتفاقية كانت كذلك من خطوات التحضير للانقلاب العسكري.

تاسع تلك الأخطاء، ان احزاب الحرية التفت علي تجمع المهنيين و الذي كان بمثابة مايسترو الاحتجاجات حتي ٦ ابريل ٢٠١٩م و قسمته و اضعفته كما اضعفت التجمع المدني كل ذلك من اجل تقوية موقف الاحزاب في حلبة الصراع علي السلطة.. و قد حرمت بذلك السودان و العمال من فرصة تكوين نقابة مهنية مهيبة يكون لها دور وطني و اجتماعي و اقتصادي بارز..

عاشر تلك الاخطاء، ان احزاب الحرية و التغيير و حكومتها فشلت في السيطرة علي عمليات تهريب الذهب و المضاربة في العملة ما اضطر المواطن لتحمل اضطراب في السوق غير مسبوق و يعادل اضطراب و زيادة عدة سنوات تحدث في سنة واحدة، و ذلك لأنها عجزت عن مواجهة شريكها المكون العسكري و ما يديره من انشطة مدمرة..

هذه عشرة اخطاء رصدناها في عجالة و لو تفرغ احدهم لتمكن من رص تسعمائة خطأ و خطيئة و مع ذلك لا تريد احزاب الحرية و التغيير ان تعترف بأي منها او تقوم بمراجعة مواقفها بل تنافق الشارع ليعيدها للسلطة مرة أخري؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...