التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حظر قيام الاحزاب علي اساس (عسكري)!

 راج شعار (حظر قيام الاحزاب علي اساس ديني) ايام مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية (١٩٩٥م) و ما بعدها من ايام، لكن بعد عدة سنوات تناسي الناس ذلك الشعار و نساه الساسة !!

ذلك الشعار تمت صياغته والمعني به القول (حظر الحركة-الجبهة الاسلامية القومية/المؤتمر الوطني) و هو المقصود تحديداً .. و مع ذلك كان هذا البند قد لقي مقاومة من احزاب البيوت الدينية (الانصار و الختمية) لذلك تجنبوا الصياغة التي تقول حظر الاحزاب التي تقوم علي اساس ديني حتي يتقبله الانصار و الختمية و يوافقوا عليه "علي مضض"، مع انه لا فرق يذكر بين الصيغتين !!
و ليس أقل أهمية من حظر الاحزاب التي تقوم علي اساس ديني؛ حظر الاحزاب التي تقوم علي اساس عسكري "كعقيدة تنظيمية"..
قيام الاحزاب علي اساس عسكري يتضح في ذات نموذج الحركة-الجبهة الاسلامية القومية؛ اما المؤتمر الوطني فحزب سلطوي صريح، كما يتضح في نموذج الحزب الشيوعي و حزب البعث و الحزب الناصري.. و سائر الاحزاب التي تتبني نظرية الديمقراطية المركزية في تنظيمها و بما ذلك كل الحركات التي تملك اجنحة عمل مسلح!
الديمقراطية المركزية هي النظرية الادارية الداخلية التي تعتمدها كل الجيوش في العالم بما فيها الجيش السوداني!
و هي نظرية تعتمد التراتبية الصارمة "سلسلة القيادة و الاوامر" و تعتمد كذلك ضمان تنفيذ الاوامر و التعليمات و الانضباط الشديد الذي تفرضه طبيعة عمل الجيوش (خوض حروب) حتي و ان كانت الاوامر و التعليمات لا تحظي بموافقة و تأييد و رضي من يطلب اليه تنفيذها !
و تقرر نظرية الديمقراطية المركزية انه يسمح بالتداول و الحوار في نطاق ضيق (غرف صناعة القرار) ضمن اطر القيادة فقط.. و تحدد القيادة متي يسمح بالحوار الواسع و متي يمنع النقاش، و حتي الحوار الذي يفتح داخلها (غرُ القيادة و السيطرة) لا يخضع للتصويت انما فقط لتستفيد منه القيادة و تسترشد به و هو غير ملزم للقائد.
فباسلوب "نفذ ثم ناقش" يتم ضمان التنفيذ الفوري للاوامر و القرارات و ضمان فعاليتها "و سريتها" دون مطاولات او اعتراض.
هذه النظرية مقبولة في عرف الجيوش اما في عرف الاحزاب السياسية فهي غير مقبولة و تحول الحزب من منظمة سياسية طوعية الي عصابة و تنظيم تآمري و اجرامي و منظمة مشبوهة و هدامة..
في كل تلك الاحزاب هناك قيادات معتقة و عناصر قديمة -يصطلح علي تسميتها بالحرس القديم- توظف "الديمقراطية المركزية" خدمة لهيمنتها علي مفاصل الحزب و تحول دون أي تجديد في قيادته او تغيير في برامجه.. فالديمقراطية المركزية تحرس تراتبية معينة في القيادة و تحول بين عضويته الجديدة و الشابة و التقدم الي مصاف القيادة و مراكز صنع القرار فيه الا ان تم تدجينها و ادت فرائض الطاعة العمياء للحرس القديم !!
توصيف "الحرس" القديم نفسه يقف شاهد علي الاحالة لنهج العسكرة !
هذا النهج لا يصلح في الاحزاب السياسية اذ ان الطريق الي المناصب القيادية ينبغي ان يكون مفتوحاً و غير مقيد الا بقيد الانتخاب و اختيارات العضوية بارادتها الحرة..
نري في الاحزاب الديمقراطية في كل العالم ان العضو يمكن ان يرتقي في سنة او سنتين علي الاكثر لمنصب رئيس الحزب و رئيس الدولة (نموذج ترامب و الذي انضم للحزب الجمهوري و ترشح مباشرة لمنصب الرئيس في نفس الدورة) و نري دول عظمي يقودها شباب اعمارهم دون الاربعين سنة (ايمانويل ماكرون في فرنسا)، بينما احزاب الديمقراطية المركزية تفخر بأن في لجانها "المركزية" شباب (اثنان او ثلاثة علي الأغلب) خبرتهم في الحزب نفسه تتعدي الخمسة عشر عام، ففي تلك الاحزاب سن الشباب يبدأ بعد الخمسين !!!
لن يتم التخلص من هيمنة و قبضة الحرس القديم ما لم يتم التخلص من نظام "الديمقراطية المركزية" ..
لا نعرف متي و لا ماهية الدوافع التي حدت الاحزاب الشيوعية؛ و غيرها (كل الاحزاب التي توصف بانها عقائدية تتبني نهج الديمقراطية المركزية)؛ الي تبني هذا النهج "الديمقراطية المركزية" داخل اطرها .. هل هو بسبب سنوات الملاحقة و التضييق في عهد الاستعمار (بالعالم الثالث) و التي كانت تصف تلك الاحزاب بانها هدامة؟ و في سنوات الملاحقة للشيوعيين في زمن هيمنة الاباطرة في روسيا و شرق اوروبا؟
قد يكون الأمر كذلك، لكن هذا لا يبرر الاستمرار في اتباع هذا النهج لعقود بعدها.
علي كلٍ؛ فان من مطلوبات الانتقال الديمقراطي الجوهرية اصلاح الاوضاع السياسية، اصلاح تلك الممارسة، و تصحيح اوضاع تلك الاحزاب؛ و حظر استخدام نمط الديمقراطية المركزية حتي يتم التمييز بين الجيوش و الاحزاب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...