١٨ مارس ٢٠٢٢م
عندما شكّل البشير مليشيات الجنجويد فعل ذلك بمعاونة كل الكيزان و بمساهمة فاعلة من طه و نافع و حسبو، فقد كانت فكرة تخليق تلك القوة تخدم بقاء و استمرارية حكم الكيزان..
و عندما حوّل البشير مليشيا الجنجويد الي قوات شبه نظامية -بمسمي الدعم السريع، لم يبدي أياً من الكيزان وجهة نظر مختلفة او مخالفة، و لا عندما ضمها لجهاز الأمن و المخابرات.. اما عندما فكر في ضمها للقوات المسلحة فان الاعتراض بدر منها "كقوات مسلحة" و لم تكن هناك ادني وجهة نظر سياسية عن قيادات من الحزب الحاكم "حزب البشير" .. و تعامل البشير مع هذا الاعتراض بان جعلها قوة عسكرية قتالية ينطبق عليها قانون القوات المسلحة و لا تتلقي التعليمات و الأوامر من قيادة اركان القوات المسلحة انما تعمل تحت قيادته المباشرة "رئيس الجمهورية" و هذا وضع فاقم الأزمة و لم يحلها! اذ اصبحت قوة عسكرية-حربية موازية للقوات المسلحة، و هو الوضع الذي نعاني منه اليوم.
بعد ان سقط البشير عمل "الكيزان" علي دعم تحالف قيادة القوات المسلحة و قيادة الدعم السريع لترتيب اوضاع ما بعد البشير و ذلك بهدف تقليل كلفة خسارة السلطة عليهم و منع اي ملاحقات قانونية بسبب انتهاكات حقوق الانسان و الفساد المالي أي بمعني ضمان مكتسبات الكيزان غير المشروعة..
عندما لم ينجح التحالف في تحقيق هذا الهدف، و اضطر المجلس العسكري للتوافق مع قوي اعلان الحرية و التغيير و ابرام وثيقة دستورية تحكم الوضع في مرحلة مابعد حكم البشير و المؤتمر الوطني غير الكيزان تكتيكهم و اتبعوا سياسة تعتمد علي ضرب الوثيقة الدستورية بالتركيز علي ضرب اثنان من اطرافها الثلاثة "الدعم السريع و احزاب الحرية و التغيير" و ذلك بغرض فك الرابطة الثلاثية و العودة لرابطة ثنائية (القوات المسلحة و الدعم السريع) و التي يمثل الكيزان الجامع السري بينهما!
خلال فترة سريان الوثيقة الدستورية ركزت دعاية الكيزان اعلامياُ و سياسياً علي دموية و انتهاكات الدعم السريع في الحرب و في اعتصام القيادة و بالطبع كانت تلك مادة ثرية و متوفرة بكثافة.. و هي مادة تلقي اذن صاغية لدي قوي معارضة و ثورية ايضاً (لجان المقاومة)، و قد نجحت تلك الدعاية في الضغط علي الحزب الشيوعي فتنصل عن الاتفاق السياسي و الوثيقة الدستورية و خرج من ائتلاف قوي الحرية و التغيير و من الحكومة الانتقالية و سحب الواجهات الموالية له و المقربة منه (التجمع المدني) و تسبب في شق تجمع المهنيين (مايسترو احتجاجات ٢٠١٨م)، كما ساهمت في خلق بلبلة في صف لجان المقاومة ما تسبب في شرخ في علاقتها مع الحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك، و مع حاضنتها السياسية "قوي الحرية و التغيير".
هذا الموقف اضعف الحكومة الانتقالية بمجلس وزراءها و المكون المدني في المجلس السيادي و الذي لم يكن في الأصل علي قلب رجل مدني-سياسي واحد بل منقسم الي احزاب و حركات مسلحة و "تكنوقراط" لذا عندما وقعت واقعة الانقلاب "التصحيحي" ذهب معظم اعضاء السيادي (المدني) الي مسايرة الانقلاب "رجاء نيقولا" و ممثلي الحركات "عقار و الهادي و الطاهر حجر" بينما ذهب بعضهم في حال سبيله (شيخ ادريس و التعايشي) بينما زج محمد الفكي في السجن!
يدعم الكيزان تحالف القيادة العسكرية للجيش مع الدعم السريع و بمشاركة قوات مليشيات الحركات المسلحة لفرض امر واقع جديد..
بعد الانقلاب عاد الكيزان لتهدئة خطابهم ضد الدعم السريع لأن الوجبة التالية بعد قوي الحرية و التغيير ستكون "بعض" الحركات المسلحة ما يستدعي تعاون الدعم السريع و بعد التهامها بمقدور "الكيزان" التصرف مع الدعم السريع بالوجه الذي يخدم مصلحتهم..
لكن هذا السيناريو قد لا يسير كما هو مرسوم له، فالظروف و التطورات قد تتسبب في تقديم و تأخير مع العلم ان اي تقديم او تأخير ستكون له تبعات خطيرة و كارثية..
ما يهم هنا هو ان الكيزان يتعاملون مع الدعم السريع وفق خطة و استراتيجية .. بينما تعاملت القوي السياسية الأخري معها و مع مجمل المكون العسكري و الأمني باهمال او عاطفية ثورية او بسبهللية دون حسابات سياسية و أمنية دقيقة..
الكيزان نجحوا لأنهم يحصرون الخيارات الثورية بين القوات النظامية من جهة و الدعم السريع من جهة و هم "الكيزان" متنفذين في كلا المعسكرين.. بينما القوات النظامية الأخري ليست أقل سوءاً من الدعم السريع، و ان اصلاح و هيكلة تلك القوات (العسكرية و الامنية) مهمة لا تقبل التأجيل و يجب ان تتم بالتوازي مع التعامل مع الدعم السريع..
القوات النظامية العسكرية و الامنية في السودان تمت وراثتها من المستعمر و تمت السودنة علي مستوي الوجوه و شاغلي الوظائف لكن الادوار و الوظيفة بقيت نفسها هي؛ نفس الدور و الواجبات التي كانت "الؤسسة الامنية و العسكرية" تخدم بها السلطة الاستعمارية بقيت تؤديها و تخدم بها السلطة الوطنية ما سهل عملية الانتقال من استبداد وافد و غريب و اجنبي الي استبداد محلي وطني..
تغيير عقيدة تلك القوات لتخدم الوطن لا السلطة و المواطن لا الحاكم؛ و تحتكم لمعايير سيادة القانون و المحاسبة و الشفافية لا معايير الافلات من العقاب و المحسوبية هي من اهم واجبات مرحلة التغيير الثوري و الانتقال الديمقراطي..
وضع هذه المسألة في الحسبان ستاعد علي فهم تعقيدات الوضع خصوصاً بعد انقلاب ٢٥ اكتوبر و تعين علي التوصل لانفراج فيه.
تعليقات
إرسال تعليق