التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تحرير المواطن قبل تحرير الاسواق و الاسعار

٤ سبتمبر ٢٠٢٠م

تكثر الشكوي حتي من بين صفوف "الحاضنة" السياسية و المدنية للحكومة -قحت- و الحاضنة الشعبية -لجان المقاومة- من ان سياسات النظام البائد الاقتصادية لا تزال سائدة!! بالتزامن مع شكوي المواطنين من تدهور الحالة المعيشية و غلاء الاسعار بالتوازي مع انهيار و تداعي الجنيه أمام الدولار و سائر العملات الأجنبية..

الصعوبات الاقتصادية بعد عقود من التخبط الاقتصادي "تخبط و ليس تخطيط"، و من السياسات العقيمة و المدمرة؛ المتمثلة فيما اسماه الانقاذيون تحرير الاقتصاد و السوق و تخصيص الكثير من المؤسسات الوطنية و "بيع" معظم ممتلكات الدولة.. تلك الصعوبات مفهومة حتي بعد انتهاء تلك الحقب و تدشين سياسات مغايرة فالفرق لن يظهر بين يوم و ليلة و لا بين عام و الاخر..

لكن الخوف و المأساة الحقيقية ان تكون تلك الصعوبات و ذلك التدهور ليس مجرد أثر جانبي للعلاج الاقتصادي الجديد انما استمرار للداء القديم!

يغذي تلك المخاوف واقع ان السلطة "الانتقالية" و حاضنتها "قحت" لم تعلن أو لم تتوصل حتي لخطة و خارطة طريق فعلية للانتقال بالاقتصاد من مسار 1989 المدمر الي مسار 2019 التنموي..

كل ما حدث حتي الأن هو ان الفساد قد تقلص الي حدوده الدنيا، و إن الصرف الكارثي علي جهاز سياسي و امني و حزبي ضخم قد تقلص كذلك الي حدوده الدنيا، و إن المحاباة و الاعفاءات الجمركية و الضريبية لمنظمات و شركات المحاسيب قد توقفت، و تهريب الاموال و الذهب و غيرهما من الصادرات قد تقلص..

لكن هل يكفي هذا؟

كل تلك التغيرات هي بعض من المطلوبات الاساسية و الاولية و ليست الغاية النهائية، لكن مع الأسف فان توفر تلك الاموال المهدرة اغري وزير المالية المستقيل و رئيسه فطبقوا واحدة من اكبر عمليات تحسين الرواتب في التاريخ!

عدم حدوث تغيير اقتصادي يمكن ان يلمحه الناس - و بالتالي يكون لصبرهم و تحملهم للصعوبات مغزي و معني- لا تتحمله حكومة التكنوقراط "الانتقالية" وحدها، بل هو مسؤولية احزاب "الحاضنة" السياسية في المقام الأول، و لأن تلك الاحزاب اهملت الملف الاقتصادي لثلاث عقود؛ لذا تجد نفسها الأن عاجزة عن تصور الوضع ناهيك عن تصور مخرج من ذلك الواقع!

 تلك الاحزاب لم تتعاطي من الاقتصاد طيلة العقود الثلاثة إلا في شق توجيه النقد للخصخصة و التحرير و الفساد ..

في حين ان الاقتصاد و التنمية مضمار اكبر من ذلك و اوسع..

اخراج البلد من ازمته المعيشية لن يتحقق باعادة سيطرة الدولة علي وسائل الانتاج و استمرار دعم السلع الرئيسية مثلما يتصور و يروج لدي اعضاء ما يسمي باللجنة الاقتصادية لقوي إعلان الحرية، و هي بالأصح اللجنة الاقتصادية للحزب الشيوعي فصوت منسوبي الشيوعي هو الاعلي في تلك اللجنة "اعلاميا علي الاقل" بالنسبة الي كل من يراقب المشهد من خارج الحاضنة..

كما ان انقاذ الموقف الاقتصادي لن يتم ب"تغيير العملة" فقط؛ و هذا مطلب قطاع واسع من الناشطين و تلقفه البعض داخل الحاضنة "لتحقيق نقاط جماهيرية لا اكثر".. فما نحن فيه من ازمات لم تبدأ إلا بعد تغيير العملة عام 1990م، و لا يمكن قانوناً ان تستغل تبديل العملة مع ما له من كلفة مادية عالية لتحتجز أو تسيطر علي اموال الناس، أما الحديث عن "عملة مزورة" فعلاجه اجراءات بوليسية و ليست سياسات نقدية.. 

ليتهم بدلاً عن الكلام عن تبديل العملة ضغطوا في إتجاه اصلاح النظام المصرفي و المصرف المركزي و اصلاح المنظومة المالية فبدون ذلك لن يستقر سعر العملة و إن نستفيد من ميزة رفع العقوبات المصرفية و الاقتصادية.

المخرج كذلك يكمن في مشروع اقتصادي تنموي متكامل ينتظم كل الاراضي السودانية و يستوعب كل الفئات الشعبية..

ما نحتاجه اليوم بعد عقود تحرير السوق و تحرير الاسعار و "الخصخصة" هو تحرير الانسان .. تحريره اقتصادياً من قيود البروقراطية الحكومية و من سياساتها المتبدلة "كما يبدل الساسة نعالهم!"، فسياسات معلنة و مستقرة هو المطلوب حتي يعرف المواطن ان الأرض التي يقف عليها ثابتة ليخطو في الاتجاه الذي يحقق مصالحه.. 

سياسات تقوم علي الشفافية و المنافسة العادلة لا فرق فيها بين شركة حكومية و خاصة أو شركة مخابرات أو جيش!!

سياسات تعتمد قواعد حوكمة الشركات الكبري و تطبق مبدأ "الفصل بين رأس المال و الادارة" ..

و من ذلك تحريره "المواطن" من الفقر بانتهاج سياسات تمويل عادلة تشمل الفقراء و الاثرياء "تمويل صغير و متوسط و رأسمالي" حتي تدور مشاريع انتاج زراعي و حرفي و صناعي و تجاري..الخ

تحرير الطاقات الاقتصادية للشباب و النساء و كل الفئات.. و تحرير كامل المجتمع من قيود الادارة العقيمة و السياسات الخاطئة و قيود الفقر و الحاجة المذلة هو المقابل المستحق لتلك الفئات علي العمل العظيم الذي انجزوه بثورة سبتمبر المجيدة و المديدة..

الثورة الاقتصادية هي الخطوة المنتظرة من حكومة الثورة و حاضنتها الذين جعلت الفئات الشعبية الثائرة لدورهم و لكلمتهم قيمة بعد عقود قضوها مهمشين و مطاردين.

انور محمد سليمان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...