رؤية قانونية لتسوية الأزمة بين المجلس العسكري و قوي اعلان الحرية والتغيير
ان الأزمة الدستورية الحالية التي علقت بها بلادنا و الازمة السياسية المترتبة عليها هي أزمات طبيعية نتجت عن تعرض النسيج السوداني؛ الرسمي ممثلا في مؤسسات الحكم والدولة و الشعبي ممثلا في الفعاليات السياسية و المدنية الأخري لظروف غير طبيعية طيلة العقود الثلاث الماضية، و هذا عرضها لضمور و شلل في بعض النقاط والاوقات..
و ازمة بهذه الطبيعة ترتب عليها منطقيا حالة عدم الثقة المتبادلة بين عديد من المؤسسات الرسمية ( حتي فيما بينها ) و العديد من المؤسسات الشعبية ( و فيما بينها كذلك ) ..
ثم عن الارتباك الذي اعقب اسقاط النظام السابق (في صف المجلس العسكري و صف قوي الثورة والتغيير ايضا) واستمر لفترة ما كان لها ان تطول لولا طول امد ذلك النظام و الاضعاف الذي تعمد ان يتسبب به لمؤسسات الدولة والمجتمع..
ان الخروج من هذه الازمة و من حالة عدم الثقة لن يتم فورا او في يوم و عشيته، انما يتطلب ذلك وقت قد يطول او يقصر اعتمادا علي ممارسة مستقبلية للحكم و الحياة السياسية ( وهذه هي الطريقة المثلي لا طرائق بروقراطية المنظمات الدولية الرتيبة والسلحفائية التي تعتمد بناء الثقة في القاعات باسلوب تنظيري وعبر عقد الاف جلسات بناء الثقة و السمنارات والورش و حلقات التدريب.. وفي النهاية قد تنجح و قد لا تنجح!)، و نأمل ان تنطلق تلك الممارسة باعجل وقت وان تسودها روح التوافق و الحرص علي أمن الوطن و رفاه انسانه لتنبي حالة من الثقة ضرورية لنجاح المرحلة الانتقالية و لاستقرار السودان في العقود المقبلة، فالتأخير ليس في صالح الوطن، و ما ليس في صالح الوطن لن يكون في صالح اي جهة كانت في الداخل والخارج.
و بالتسليم بأن الأطراف لم يتعمدوا التسبب في هذه الازمة و في حالة الفراغ الدستوري والحكومي الراهنة،
و بوضعنا تلك الممارسة التوافقية للحكم و بناء ثقة من خلال العمل غاية،
نقدم لجميع الاطراف خلاصة رؤيتنا و مقترحاتنا يحدونا حس وطني بالمسؤولية، و واجب حيال شعبنا ممثلا في المعتصمين الذين نستشعر معانتهم و قد طالت اقامتهم في ميدان الاعتصام و قدموا للتغيير ولا يزالوا يقدموا كل غالي من روح ودم ، و حيال مستقبل دولتنا مؤسساتها التي تحتاج لكل دقيقة كي تستعيد توازنها و تنمو و تقوي و تنهي حالة الشلل و التوهان التي دخلت فيها منذ ثلاثة عقود."
المنهجية:
هذه الورقة تقترح للخروج من الازمة الراهنة و تجاوز حالة الارتباك في صفوف المؤسسات وقوي التغيير .. ان يتم اولا ايضاح المفاهيم التي ستقوم عليها التسوية المقترحة، بحيث تكون صياغة تلك المفاهيم هادية لتجاوز العقبات و المناطق الشائكة و المظلمة و المتحركة كما تعين في عبور أي وضع مماثل او شبيه يبرز اثناء المرحلة الانتقالية المقبلة.
ثم بعد ذلك تقدم مقترحات لادخال تعديلات علي بعض النقاط التي تم الاتفاق عليها من قبل و ذلك علي ضوء الصياغة المفاهيمية التي تتبناها الورقة، بحيث تكون التسوية متسقة في كلياتها و جزئياتها جميعا و خالية من التناقض الذي يغذي الخلاف و عدم الثقة و يعرقل الاتفاق الحالي كما يمكن ان يعرقل عمل مؤسسات الحكومة الانتقالية.
كما تقترح استحداث نصوص تتضمن طرق واساليب و اليات التعامل مع المنازعات بين مؤسسات الحكم المختلفة حال حدوثها ( والمنازعات -بطبيعة الاشياء- تحدث ).
ثم أخيرا، تقترح الورقة تسوية اجرائية مبدئبة لتذليل العقبات التي تعوق ابرام اتفاق نهائي يجعل عمل مؤسسات الحكومة الانتقالية ممكنا، و ذلك عبر اقتراح اجراءات خاصة للتعامل مع حالة انعدام الثقة الأولية هذه التي تعوق اعلان انتصار ارادة الشعب و انتصار التغيير علي الجمود و الركود، و تعوق اطلاق مؤسسات حكم ما بعد البشير.
اولا: صياغة المفاهيم وتحديد المراكز القانونية لاطراف الأزمة.
من الضروري ان يستوعب اطراف الأزمة حقيقة مراكزهم و المصالح الوطنية والاجتماعية التي تحدد مواقفهم، الملاحظ في وثيقة الاعلان الدستوري انها تأتي علي ذكر تلك الاطراف في بنودها التي تحدد طريقة تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي ، لكن من الضروري كذلك ان يتم استيعاب اطاري للاطراف في ديباجة الاعلان و بند التفسيرات اولا لضبط المسميات ثم في بنود 'بحسب الحاجة' الوثيقة او الاعلان الدستوري' الحاكم للمرحلة الانتقالية، مع رسم افق لتلك الاطراف تنتهي او تقف عنده لتسمح لمؤسسات الحكم الانتقالي بالعمل بالاستقلالية الضرورية
وهنا نقترح التحديد و التعريف التالي لمراكز تلك الاطراف:
- المجلس العسكري الانتقالي ينوب و يمثل القوات المسلحة و القوات النظامية مجتمعة.
- قوي اعلان الحرية تمثل وتنوب عن،
* الجهاز المدني للدولة.
* القوي المدنية؛ من نقابات و منظمات مجتمعية.
* التيار العريض للمحتجين و المتظاهرين والمعتصمين.
* القوي السياسية التي أيدت و دعمت ثورة ديسمبر-ابريل.
- الحكومة الانتقالية بمؤسساتها الثلاث الرئيسية ( المجلس السيادي و الحكومة التنفيذية الانتقالية و البرلمان الانتقالي ) كسلطة انتقالية تتكون بصفة اساسية ( خصوصا المجلس السيادي و السلطة التنفيذية/مجلس الوزراء الانتقالي ) من عناصر مستقلة ( غير حزبية ) مشهود لها بالكفاءة واستقلال الرأي والالمام بطبيعة الازمة الوطنية بكل ابعادها وحساسياتها.
و نري من المهم الاقرار والتوافق علي الصبغة اللاحزبية لتلك المؤسسات حتي يتوافر حولها اكبر قدر من التوافق الوطني اللازم لعبور الازمة الراهنة.
مع النص علي ان المجلس العسكري يعتبر منحلا بمجرد قيام المجلس السيادي بينما تلتزم قوي اعلان الحرية و التغيير باعتبارها ائتلاف مدني وسياسي بعدم اعتراض عمل السلطة الانتقالية بعد تشكيلها و تلتزم بممارسة سياسية راشدة تتقيد بحق وحرية التعبير والرأي والنشر و الحريات الصحفية بما يمثل رافد للسلطة الانتقالية تدعمها بالنصح والمشورة ولا تعرقل او توقف عملها،
و يكون الاطار المفاهيمي العام هو ان توافق هذه الاطراف هي ما استمد منه الاعلان مشروعيته الدستورية.
ثانيا: تعديل بعض نقاط التفاهمات السابقة
- خصوصا ما يتعلق بصلاحيات وسلطات المجلس السيادي، فالسلطات التي اطلعنا عليها والتي تبلغ فقراتها 17 فقرة بعضها يتجاوز ما يمنح المجلس الصفة السيادية الي جعله جهاز تنفيذي حاكم بل و متحكم! فالفقرات التي تمنحه سلطة اعتماد تعيين رئيس الحكومة و الوزراء و "الوظائف التي يفترض ان شاغلوها مستقلون" كرئيس القضاء و اعضاء مفوضية السلطة القضائية و النائب العام و المراجع العام ..
وهنا نقترح ان يكون اعتماد تعيين رئيس الوزراء بواسطة البرلمان الانتقالي
بينما يتم تعيين رؤساء الهيئات المستقلة عبر الانتخاب داخل تلك الهيئات ويمكن بعدها ان ترفع للحكومة لتقوم بايداعها امام البرلمان للمصادقة علي تعينهم و للمجلس السيادي للعلم، و بحيث تكون الكلمة النهائية للبرلمان الانتقالي.
ثالثا: تحديد آليات الفصل بين السلطات في حالة التنازع في الصلاحيات و الاختصاصات
اذ لابد من الطريقة والالية التي يتم بها الفصل في منازعات السلطات حتي لا يكون المستقبل كقفزة الظلام و تكون البلاد عرضة للسقوط في الفراغ عند كل خلاف!
و الالية التي نقترح هي ان يتم تقييد سلطة الاعتماد و المصادقة بقيد زمني و في حالة تجاوزه يعتبر ذلك رفضا للاعتماد و نقترح في هذه الحالة اعطاء الجهة صاحبة المصلحة بحسب الحال سلطة امضاء قرارها بالاغلبية غير العادية ( الثلثان )
كما نقترح ان تتم تسمية جهة قضائية ( المحكمة الدستورية او الدائرة الدستورية ) كمرجعية نهائية للفصل في تنازع السلطات و الصلاحيات.
رابعا: تسوية اجرائية
الوثيقة التي بين ايدينا بما وصلت اليه من نهاية مسدودة تبرهن علي ضعف الثقة كما انها تعكس ايضا اختلالات في الصياغة فهي تعطي مجلس السيادة سلطة اعتماد تعيين البرلمان اي المجلس السيادي يمنح البرلمان الانتقالي شرعية الوجود فيما لا تفيدنا لجهة من يمنح المجلس السيادي شرعية وجوده؟! و للخروج من هذه المتاهة ( متاهة انعدام الثقة ) نقترح ان ينص الاعلان الدستوري علي العناصر الاساسية لمؤسسات الحكم الانتقالي المختلفة و سلطاته و طريقة ملء الشواغر والتجديد.. فيما يترك شأن تكوينها لتسوية اجرائية بين المجلس العسكري و قوي اعلان الحرية بحيث يتم اعتماد تكوين تلك الهيئات بين الطرفين في حزمة واحدة فيقر الطرفان
- تشكيل البرلمان الانتقالية
- و تشكيل الحكومة الانتقالية
- و تشكيل المجلس السيادي
في صفقة واحدة كتسوية اجرائية تنهي المخاوف من ان يعيق جسم تشكيل الآخر..
------------------------------------
انور سليمان
الخرطوم
1 يونيو 2019م
تعليقات
إرسال تعليق