يظن البعض ان قوي التغيير في السودان تصر علي المطالبة بحكومة مدنية لأن العالم "القوي الدولية والاقليمية" ماعادت تقبل بالحكم العسكري! و هذا ليس السبب كله او السبب الجوهري، فالسؤال الذي يمكن ان يعترض هذه الاجابة هو 'ولماذا يرفض العالم الحكومات العسكرية؟'
المطالبة بحكم مدني سببه ان الحكومة المدنية مجبرة علي ان تعمل وفق قانون عام ينطبق عليها وعلي محكوميها علي قدم المساواة، فالحكومة المدنية لا تملك سلطة اجبار الشعب علي القبول بها و بقراراتها بالعنف والقوة انما تعتمد الرضا والقبول والحجج و الاقناع، و في حال تضرر مواطن من افعال الحكومة او قراراتها يجد عدة خيارات للشكوي منها بينها الطريق القضائي و الاداري و طريق الصحافة والاعلام و الطريق السياسي ايضا؛ و القرارات في داخل المنظومة المدنية تتخذ بالتصويت وبالاغلبية العادية او الاجماع بعد مناقشات و تصويت بين اكثر من خيار واقتراح و بعد تفهم لجميع الابعاد والمشاكل والآثار و الارتدادات، وليس عن طريق التعليمات من اعلي لأسفل كما في النظم العسكرية حيث تعقب المناقشات انفاذ الخطط والقرارات! فالانظمة العسكرية لا تتقيد بقانون و لا بمنطق حساب تكاليف الربح والخسارة انما بقانون الحرب و منطق النصر و الهزيمة فقط و من الصعب بل والمستحيل محاسبتها و مساءلتها او اجبارها بوسائل قضائية او سياسية علي فعل او عدم فعل شئ او القيام بأي معالجات او تعويض!
ان الحكومة المدنية ليست جيدة للمواطنين المدنيين فقط بل والعسكريين ايضا، فالعسكري هو مواطن في المقام الأول وله حقوق دستورية و تنطبق عليه حقوق الانسان و من حقه ايضا ان يتظلم ضد الدولة امام قضاءها العادي و آلياتها المختلفة ان انتهكت حقوقه.
فالحكومة المدنية هي احدي ضمانات سيادة مبدأ حكم القانون و مبدأ احترام الالتزامات الدولية خصوصا عهود حقوق الانسان الدولية..
ان قيام حكومة انتقالية عسكرية لسنة او لسنتين كما يقترح المجلس الانتقالي العسكري الحالي يعني ان يستمر الوضع الذي حكم لثلاثين عاما و ثار ضده السودانيون جميعا لمدة اضافية!
فسلطة البشير جاءت كحكم عسكري و استمرت كذلك رغم محاولات الباسها ثوب المدنية ومحاولات محاكاة اقامة تعددية حزبية! و اشراك العديد من المدنيين في الحكومة، اذ بقي الطابع العام هو العسكري الذي تتنزل فيه "التعليمات" و الأوامر داخل الحكومة وبرلمانها و حزبها و قضاءها ايضا كما في جيشها من اعلي لأسفل، و استمرار هذا الوضع لأيام ما عاد مقبولا ناهيك عن ان يستمر لسنوات!!
اما لماذا المطالبة بحكومة كفاءات؟ فسببه ليس انعدام الكفاءات لدي الاحزاب، انما الكفاءات المقصود بها هنا الاشخاص الذين لا انتماء حزبي لهم 'مستقلون سياسيا'، و هي حكومة يتم اللجوء لها دائما في الاوقات الحرجة والاستثنائية من عمر الأمم والبلدان؛ فلتجنب اي خلافات سياسية حزبية يعهد لكفاءات مستقلة غير حزبية بشأن الحكم لفترة مؤقتة معلومة تقوم فيه حكومة الكفاءات بتصريف اعمال الدولة دون ادني شبهة تحيز حزبي او سياسية، بل بأحسن ما لدي جهاز الدولة من مهارات الادارة، و احيانا يتم اللجوء لحكومة الكفاءات/ تصريف الاعمال حتي في ظل البرلمانات المنتخبة ديمقراطيا و الكتل البرلمانية الحزبية صاحبة الحق في الحكم شرعا و ذلك ايضا بغرض التوافق للعبور بالاوطان والأمم في لحظات الحرج و الظرف التاريخي الحساس و الدقيق.
و لدينا في السودان حياة برلمانية سياسية معطلة لثلاثين عاما، وكل ما جري من اقتراع وانتخابات كان صوريا و متحكم به وزائف، والاحزاب ظلت مضيق عليها، مع حالات عنف اهلي وحرب، وجهاز دولة تم شله و اضعافه و الغاء شخصية مؤسساته و استقلالها .. الخ
كل هذا يجعل اجراء انتخابات مبكرة في امد قريب ليس صعبا فقط بل و امر يجب تجنبه لأنه قد يقود الي تفجير الأوضاع بما لا يحمد عقباه، و يجعل خيار حكومة كفاءات مدنية لفترة انتقالية بأمد معقول هو الخيار الأنسب والأمثل حتي تتم اعادة ترميم وبناء مؤسسات الحكم و تبني الاحزاب نفسها و يتم عقد معاهدات سلام و صلح وطني اهلي اجتماعي يفضي لضمان الوحدة الوطنية.
دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...
تعليقات
إرسال تعليق