مع كل تعثر لمفاوضات و تأخير لنقل السلطة من المجلس العسكري الي ادارة مدنية، و الانتقال خطوة من حالة حكم التدابير الاستثنائية و اللاطبيعية التي سادت طيلة فترة حكم البشير و حلفاءه من محتالي الاسلام السياسي باتجاه الحياة السياسية الاعتيادية و الطبيعية.. و مع كل تعثر او تهديد بتفاقم الاوضاع و تفجر حالة انفلات امني و سقوط عشرات الضحايا بين شهداء و مصابين اتذكر احد اخر تصريحات البشير؛ ذلك الذي ادلي به امام جنرالاته في فضاء مدينة عطبرة والذي قال فيه متوعدا المحتجين و الثوار : " اذا دقت الموسيقي العسكرية كل فار بدخل جحره".. و أتساءل في نفسي ماذا كان يجول في رأس البشير حينا ادلي بتصريحه ذاك؟!
*هل كان فعلا الرئيس المخلوع يفكر في نقل السلطة لقيادة الجيش كخيار و مخرج من الأزمة التي تعقدت؟! ام كان مجرد مناورة منه بغرض تخويف معارضيه؟!
* و هل كان واثقا من ان قيادات جيشه سيسيرون الاوضاع بنفس اسلوبه!؟ فيعرقلون خطط اقامة مؤسسات دوله حكم القانون؟! و سيحمون ظهره و ظهر حلفاءه "قطط الفساد السمان" من اي سعي ينال مما كسبوه؟ و مما اجرموه في حق الشعب السوداني وشعوب المنطقة والعالم؟
لا املك جواب قطعي لتلك التساؤلات، لكني ومن خلال ما خبرته من اسلوب و نهج "المخلوع" مع التصريحات الاعلامية و الاحاديث الحماسية امام الحشود لا سيما "الجهادي" والعسكري منها؛ فانه عادة ما يدلي باحاديث لا يقصدها في ذاتها بقدر ما يتعمد استدرار حماس الجمهور المتحلق حوله كل ذلك اعدادا للحلبة لفاصل من "العرضة" - رقص حماسي شعبي يؤديه الرجال بايقاع الموسيقي المدنية هنا - وربما يذكر البعض تصريحات شهيرة له صاحبت اتفاقات السلام الشاملة استخف بها حينها امام طوابير "مجاهدي الدفاع الشعبي" ما دعا وزير خارجيته حينها للتقليل من أهميتها و قيمتها بتصريح شهير اخر قال فيه الوزير مصطفي عثمان:" الرئيس لا يعني ما يقول" و هذا في العرف الدبلوماسي يعادل قولك الرئيس "لا يعي" ما يقول!
بالتأكيد لم يكن البشير يفكر في نقل السلطة لأي جهة كائنة من كانت بما فيهم نائبه و وزير دفاعه و اركان حرب الجيش؛ ربما كانت مناورة منه لاستكشاف نوايا الجنرالات حوله و ليستدرجهم ليعلم ان كانوا يفكرون مجرد تفكير في استلام وتسليم السلطة كمخرج من الأزمة ليخمد تلك البادرة في مهدها!
و معروف ايضا ان العسكر لا يتحدثون مسبقا عن نواياهم ازاء اي ازمة سياسية بل يحرصون علي البقاء علي الحياد و بعيدين عن الخطر، فالسياسة والسلطة بالنسبة اليهم كالمعركة الحذر فيها واجب و الخدع مطلوبة والتمويه مهم، لذا لم يخرج منهم بتصريحه ذاك بأي فائدة و بقي كل طرف محتفظا باوراقه كاملة!
و بما اننا استبعدنا ان يكون "المخلوع" قد فكر في سيناريو تسليم السلطة لقيادة الجيش فان الحديث عن انه كان يثق في ان ادارتهم للدولة ستكون بذات الاسلوب و النهج الذي اتبعه و انهم سيوفرون له الحماية والحصانة والامتيازات اللائقة يكون في غير محله وغير مستقيم منطقا، فالرئيس "المخلوع" كشأن كل الطغاة و المستبدين لم يجهد نفسه في البحث عن مخارج للأزمة مثلما لم يفكر في استمرار المنظومة الحاكمة من بعده و من دونه؛ فبالنسبة للحاكم المستبد فان الأزمة ليست أزمته انما أزمة المحكومين و الرعية! و الطغاة عمليا لايفكرون في مخرج الا عندما يتكشف لهم ان الوضع اضحي متعلقا بسلامتهم الشخصية و غالبا لا يكتشفون ذلك الا قبل اربع وعشرون ساعة من اللحظة الحاسمة بينما لا اتصور ان البشير اكتشف ذلك الا قبل دقائق من نقطة التحول او الانقلاب في الحراك الثوري!
فعليا دقت موسيقي الجيش بأمر الشعب و البشير الذي ارسله شيخ الإسلام السياسي الي القصر رئيسا قد ذهب الي 'سجن كوبر' حبيسا و بأمر الشعب ايضا؛ و الشعب ذاته يعتزم بناء مؤسساته المجتمعية و مؤسسات دولة حكم القانون و التي ستحاسب و تحاكم كل من جني علي الوطن وسيقتلع في طريقه كل من يحول دون تلك المشيئة مثلما اقتلع البشير.
دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...
تعليقات
إرسال تعليق